كل يوم

مخالفات مرورية «فضفاضة»!

سامي الريامي

عندما تقرر الانتقال من حارة إلى حارة، أثناء القيادة على طريق عام، وتلتزم باستخدام إشارة الانعطاف، ثم تنتقل بهدوء بعد أن تطمئن أنه لا يوجد أحد على الحارة الثانية، قد تتسبب في إزعاجه أو الإضرار به، فهذا وضع طبيعي جداً، يحدث ملايين المرات في الشوارع، ويحدث في كل مكان بالعالم، لا يستدعي مخالفة مرورية، لأنه لا توجد بالأساس مخالفة، فبطبيعة الحال لا يوجد شخص في الدولة بأسرها يسير في حارة واحدة، منذ خروجه من المنزل إلى حين وصوله إلى الوجهة التي يريدها!

وجود تعريفات «فضفاضة» للمخالفات، أمر يجعل الالتباس والتقدير عنصرين أساسيين في تحرير المخالفات، لذلك فإن نسبة الخطأ في تحريرها من قبل الشرطي كبيرة جداً!

هذا الوضع الطبيعي قد يتحول إلى مخالفة مرورية، تأتيك غيابياً، لأن هناك مخالفة تعرف لدى شرطة المرور بـ«عدم الالتزام بخط السير»، أما تفسير عدم الالتزام هذا فإنه يعود إلى تقدير شرطي المرور، وبما أن التعريف «فضفاض» للغاية، فإن أي انتقال من حارة إلى حارة، حتى إن تم بسلاسة، وباستخدام الإشارات المعروفة، يعتبر مخالفة مرورية، يستطيع شرطي المرور الواقف في أي زاوية أن يحررها لك!

حدث ذلك مراراً، وحدث ذات مرة أن توقفت على جانب الطريق لأسأل الشرطي، بعد أن رأيته يدون رقم السيارة، قلت له «بعد صباح الخير، هل لي أن أعرف ما المخالفة التي سترسلها لي لاحقاً؟! أجاب: «عدم الالتزام بخط السير»، أجبته: «وهل المفروض أن أبقى في حارة واحدة، مهما حدث، ومهما كان الطريق الذي أريد، لقد التزمت بكل ما هو مطلوب، من التأكد من خلو الشارع، ومن استخدام إشارة الانعطاف، والانتقال بهدوء دون إزعاج أحد، فلماذا أستحق المخالفة؟ فأجابني وبكل هدوء وقناعة: بعد صباح الخير، تفضل في طريقك سألغي عنك المخالفة»!

بالتأكيد هو يشكر على تفهمه، لكن بكل تأكيد لن يستطيع جميع السائقين أن يتوقفوا لمناقشة شرطة المرور، والأهم من ذلك أن هناك صلاحية مفتوحة على مصراعيها للشرطة بتحرير المخالفات غيابياً، دون الحاجة لإيقاف السائق، أو تنبيهه، أو تعريفه بخطأه.. صحيح أن هذا جانب من واجبات شرطي المرور، لكن وجود تعريفات «فضفاضة» للمخالفات، أمر يجعل الالتباس والتقدير عنصرين أساسيين في تحرير المخالفات، لذلك فإن نسبة الخطأ في تحريرها من قبل الشرطي كبيرة جداً!

نثمن ونقدر ونحترم دور رجال المرور، بل وفي كثير من الأحيان نشكرهم حتى أثناء تسجيل المخالفات، ولا نشكك أبداً في نزاهتهم، ونؤمن بأنهم يتحرون الدقة، ويبتعدون عن ظلم أحد، وبعيدون تماماً عن «شخصنة» المخالفات، لكنهم في النهاية بشر، يخطئون ويصيبون، يلتبس عليهم الأمر أحياناً، وتؤثر فيهم الشمس والمسافات والازدحامات، فتجعلهم يخطئون المقصود، ويصيبون غير المقصود!

والأهم من ذلك أن التعريفات «الفضفاضة» للمخالفات المرورية تجعل الجميع في مرمى حجر، حتى لو كان الواقع مغايراً، مثلاً «القيادة بطيش وتهور»، و«التجاوز بصورة خطرة»، و«عرقلة حركة السير»، وغيرها، مخالفات تبدو كبيرة ولها معايير واضحة، لكن الحقيقة أنها تسجل أحياناً بشكل أقل بكثير من مدلولها الحرفي، وفقاً لتقدير شرطي المرور.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر