مزاح.. ورماح

«الحب والرعب!»

عبدالله الشويخ

أثناء مراهقتك الصحية تمارس عدداً لا بأس به من الموبقات مثل إحضار غطاء علبة حليب مجفف وإشعال نار هادئة تحتها، ووضع حشرة بها ما يكفي من حمض النمليك وانتظار ذلك العمود الدخاني الأبيض المبهج!

وأثناء مراهقتك المالية تعتقد بأنك خطوت أولى مراحلك الصحيحة باتجاه النجاح، وأنت تحصل على رقم مستثمر من سوق الأسهم وتقلد طريقة الوليد في وضع غترته، وربما قمت بشراء بضعة آلاف من أسهم شركة براقة على المكشوف دون أن ترتدي فانيلتك الداخلية! وأثناء مراهقتك العاطفية تمسك بيد صاحبك الذي يقود السيارة بقوة يكاد معها يفقد سيطرته على العربة ليصبح كلاكما «خبراً عاجلاً»، وتقول له بصوت مفعم بالحماسة: حبتني! والله حبتني، لمجرد أنها نظرت لك وهي تتثاءب أمام إحدى الإشارات الضوئية! وأثناء مراهقتك الفكرية تقلب قنوات التلفاز بين مختلف القنوات الإخبارية وتطالع التصريحات السياسية لمختلف السياسيين، معتقداً بأنهم سيقولون الحقيقة ذات يوم!

وأعترف هنا بأنني في أثناء مراهقتي السياسية – قبل أن يجبرني أحدهم على التوبة بحديثه عن العذاب الذي ينتظر المحللين السياسيين في الدنيا قبل الآخرة – كنت مولعاً بمشاهدة أفلام الاعتذار والتوضيح والقرارات المصيرية التي يقولها السياسيون، كنت أستمتع برؤية الخوف في عيونهم بدلاً من الغرور، أحب تلك العدالة الشاعرية في تصاريف القدر، وأذكر منها الكثير.

فمازلت أذكر خطاب بيل كلينتون الشهير الذي اعتذر فيه عن تصرفاته الصبيانية مع المتدربة «الملظلظة» في البيت الأبيض، ولكني أذكر أنني رأيت في نظرته الخوف ولكني لم أرَ الرعب.

مازلت أذكر نظرة برويز مشرف وهو يلقي خطاب انحياز باكستان إلى الطرف الأبعد في الحرب الأميركية على أفغانستان، ورأيت أيضاً في نظرته الخوف ولكني لم أرَ الرعب.

مازلت أذكر خطاب اللواء عمر سليمان أثناء احتشاد الثوار في التحرير، ليعلن تنحي «الريّس» عن منصبه رأيت في نظرته الخوف ولكني لم أرَ الرعب.

والعديد العديد من الأفلام التي يتقن السياسيون صياغتها، كلهم خائفون، إما من ردة فعل الشعب أو بسبب ما جنته أيديهم، ولكني أشهد بأنني لم أرَ سياسياً مرعوباً لدرجة الإغماء إلا في الفيديو الذي نشرته وكالة الأنباء الكينية الأسبوع الماضي للرئيس الكيني، وهو يعلن فيه للشعب والأمة بأنه ليس متزوجاً من امرأة أخرى، وأنه لم ولن يحب سوى زوجته اللطيفة والجميلة «التي كانت تقف إلى جواره بالطبع ولديها نظرة مديرة مدرسة لطيفة»، الرجل كان مرعوباً بصدق، كانت يداه ترتجفان، وشفته العليا تكاد تتمزق، وصوته يقطع نياط القلوب، هذا رجل كما يقول الأجانب «died man walking».

للرعب فنون يا صديقي الرئيس!

وهناك دائماً ما هو أخطر من السياسة!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر