5 دقائق

سكينة مشوشة

خالد الكمدة

جميل هو التحليق بحرية كالعصافير، في سماء ترسم أجنحتنا أبعادها، بلا حدود وبغير إشارات مرور تطلب منا الانعطاف يمنة أو يسرة، أن نمتلك النسخة الوحيدة من مفاتيح حياتنا، لا يعكر صفو سيرنا بها قرارات آخرين أو وجهات نظر لا تتطابق معنا، أن نتفرد ببطولة حياتنا، لا يشاركنا في مشاهدها نجم متألق ولا ممثل مساعد، مريح هو الشعور باستقلالية القرار والمسار والمشاعر، ولكن إلى متى؟

طالما نحن بشر ولسنا آليين، فسيمر علينا يوم أو شهر أو ساعة أو سنة تتفوق فيها بشريتنا على صلابتنا واستقلال قرارنا، وسنبحث بعد أن تنتصر الروح على الجسد في إحدى جولات الحياة، عن كتف نلقي عليها همومنا، عن صدر نعلن فوقه هزيمتنا، عن حضن ندفن فيه تعبنا، لنعود مرة أخرى، لننهض بقوة، لنطوي اليوم ونستقبل الغد، لنتسلم من جديد زمام أمورنا بكل القوة والصلابة والحكمة التي درجنا عليها.

طالما نحن بشر ولسنا آليين، فسيمر علينا يوم أو شهر أو ساعة أو سنة تتفوق فيها بشريتنا على صلابتنا واستقلال قرارنا.

طالما أنتِ أنثى، فسيوجعك في مرة ما، من يوم ما، حمل مفاتيح حياتك وأقفال قلبك وحيدة، وستشعرين بحاجة ملحة لمن يحمل بعضها أو كلها أو حتى أقفالها، لمن تحوم بروحكِ روحه، تطبب تعبها، وتشحذ طاقتها، وتحمي المرأة الحديدية التي تظهرين وتحبين من أن يصيب قلبها صدأ.

قد ترينه استقراراً ولكنه غير متوازن، قد تشعرين بسكينة، ولكنها ستكون دوماً مشوشة، لأن المرأة دائماً هي نصف القصة، هي حقاً نصفها الأجمل والأعذب ولكن عذوبتها وتألقها ونجاحها واستقلاليتها ونضوجها... وكل ذلك عندها، لا يضع إلا فاصلة عند نهاية السطر، وتظل القصة بحاجة إلى من يكملها.

في عمر الرشد وعند اكتمال العقل والحكمة، ترتفع المعايير ويصبح إلغاء بقية الحكاية دوماً سهلاً إذا لم تكن بالسوية المتوقعة نفسها، عند نضوج الثمرة واكتمال حلاوتها، يصبح بلوغها صعباً وشروطها حتى تقبل بالنظر لبقية الأغصان، أصعب وأصعب.

لا نطلب من حواء أن تتنازل، ولا أن ترضى بما هو دون المقبول، ولكن نأمل بأن تُجري تعديلاً على ما هو مقبول، أن تبحث بجدية وبكل ما جمعت بعلمها وخبرتها من الحكمة وبفطرتها من الذكاء الأنثوية، عما ستصل إليه وهي تحلق وحيدة في سماء واسعة، وأن تنظر بعين الحياد إلى عشها الخاوي الذي تأوي إليه في ساعة تعب فتجده وبكل ما أوتي من زهور وكتب، خالياً من الروح، فقيراً إلى الدفء.

لا نرغب لأي غادة في أن ترضى بما يسلب حريتها أو يتحكم في مفاتيح حياتها، ولكن أن تنتقي بموضوعية وحصافة ما يؤمن عذوبة سكينة روحها، ويحميها من كل تشويش.

@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر