٥ دقائق

لا تبحث عن ما وراء القناع

سعيد المقبالي

مهما طال بك العمر، ومهما توسعت في هذا العالم بعلاقاتك وصداقاتك ومعارفك، فإنك حتماً ستعود يوماً لتبحث بين كل هذه العلاقات عن الصادق منها، وعن الصاحب الحقيقي، تلك العلاقة التي لا يمكن أن نجد لها مسمى آخر أفضل من المسمى الذي عرفه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم: «الأخوة في الله».

«كما أن الإنسان يتطور في النواحي التقنية والعمرانية، فإنه كذلك تتطور لديه قدرات عجيبة على تلون الشخصية وأساليب الخداع، حتى في إطار علاقات الصداقة».

عندما آخا صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، ظهرت في ملامح ذلك الإخاء صورة جلية للأخوة في الله، تجاوزت حدود التفكير المادي بل حدت بهؤلاء الإخوة المتحابين إلى إنكار الذات وأي حاجة شخصية، فآثروا أن يتنازلوا عن ما تهواه أنفسهم لصالح إخوتهم في الله.

في هذا الزمان، أصبح من الصعوبة أن نميز هذه العلاقة عن العلاقات المرتبطة بالمصالح الدنيوية، فمن الواضح أنه كما أن الانسان يتطور في النواحي التقنية والعمرانية، فإنه كذلك تتطور لديه قدرات عجيبة على تلون الشخصية وأساليب الخداع، حتى في إطار علاقات الصداقة.

البعض وليس الكل، يوهمك بأنه الناصح الأمين والمحب لك ضمن عهد متين، والحافظ لسرك في قرار مكين، إلا أنه يستغل كل تلك النواحي التي أمنته عليها، ليحقق مآرب خاصة به في لحظة ضعف منك، أو غفلة، أو عند انتهاء الحاجة إليك.

لن تندم في لحظة على ما ستكتشفه في إطار صداقاتك، خصوصاً إذا سقطت أقنعة كنت مغتراً بأصحابها، ومراهناً على إخلاصهم وصدقهم معك، بالعكس تماماً ستحس بمدى حب الله سبحانه لك، أن جعلك تحس بمدى حسن نيتك، وتطمئن أن هناك فجوة واسعة بينك وبين سوء النيات، إلى الحد الذي لم تنتبه فيه لمن يستغل حسن نياتك.

لن تأسف أبداً على ما قدمته لهؤلاء، فأنت قد كسبت أجر ما قدمته عند ربك سبحانه، الذي لم يطلب منك أن تدخل إلى قلوب الناس لتكتشف نياتهم، وإنما أمرك فقط بعمل الخير وحثك عليه دون أن يخيفك سبحانه من إمكانية خطأك في اختيار الأشخاص المستحقين للخير.. فكل ما تقدمه هو فضل الله عليك وأنت وسيلة لوصول هذا الفضل إلى خلق الله.

لذا لا تدقق كثيراً في حقيقة من يصادقونك «ولا تسعى لإزالة الأقنعة»، اترك ذلك لرب العالمين، فمع الوقت سيكشفهم الله لك، وعندما تكتشفهم لا تنشغل كثيراً بالتفكير في ما مضى، ولا تتخوف من صداقاتك الجديدة، بل حافظ عليها وتمسك بكل صديق في ظاهره الخير، «واترك الخافي لعلام الخوافي».

احتسب كل أصدقائك «إخوة في الله»، ليرتاح قلبك من هم التفكير في أهداف كل واحد منهم وأهداف صداقته لك، وحافظ على أولئك الذين تجدهم بقربك في أحزانك أكثر من وجودهم معك في أي وقت آخر، وتمسك بأولئك الذين يكونون بجانبك عندما تغيب كاميرات المصورين، وعندما تغيب موائد التفاخر والمجاملات، واحذر أن تخسر من يحضك على تقديم الخير للآخرين، دون أن يزرع الشك في قلبك تجاه أحد.

أخيراً، اجعل سقوط أقنعة أصحاب المصالح دافعاً أكبر لك للاستمرار في إغداق الخير على كل من حولك.

لا نقول لا تنتبه إلى شرورهم، ولكن نقول اجعل ظنك دائماً حسناً، ولا تقطع تدفق خيرك الذي منحك الله إياه، لتمنح الآخرين منه، وكن سيلاً منهمراً بالعطاء والمحبة وحسن الخلق، ولا تندم أبداً على حسن خُلقك مع الناس، حتى إن قابلوك بالإساءة، فإن أفضل المؤمنين عند الله أحسنهم خلقاً، وكما قال ابن القيم: إن «الدين كله خلق، فمن فاقك في الخلق، فاقك في الدين».

saeed@uae.net

تويتر