مزاح.. ورماح

جارٍ «التشتيت»..

أحمد حسن الزعبي

تطورت المناهج، وتحدّثت أساليب التدريس، ودخلت التقنية إلى التعليم، ومازالت العطلة الصيفية مثل «حلاوة الطحينية» بالنكهة نفسها والشكل واللون منذ الأزل.

 **

في الثمانينات، ومع إقفال البوابة بيد حارس المدرسة «أبوبشّار» في آخر يوم للامتحانات، وبمجرّد المشاركة في «هوليكوست» الكتب كنا نتضوّر مللاً، أين نذهب؟ ماذا نفعل؟ كيف نقضي أكثر من 90 يوماً في البيوت تحت الشبابيك المشرعة، أو في الشمس الحارقة بلا هدف أو غاية، ثم إن وسائل التسلية المطروحة أمامنا آنذاك كانت محدودة للغاية، ألعابنا بسيطة وغير مكلفة، ليس من باب التوفير أو التقشّف، لا سمح الله، وإنما هذا هو المتاح في ميزانية الأهل، نجمع أعواد «الأيمه» الواحد تلو الآخر، نبحث عنها في محاذاة الأسوار وعلى العشب اليابس وبالقرب من الدكاكين، وعندما يصل العدد إلى المئات من الأعواد المتساوية نشرع في عمل كوخ متواضع بالعادة ينهار جداره بعد ساعة من الإلصاق والتركيز، بسبب رداءة الصمغ، حتى إذا ما اكتمل المشروع الهندسي، كنا نجده أنقاضاً بعد ساعات بعد أن نكتشف أن الوالدة، رحمها الله، قد هدمت التصميم لتأخذ عوداً واحداً لتلف عليه كبة الخيطان.

اللعبة الصيفية الأخرى «السلم والحيّة»، وهذه وكيل الملل في الشرق الأوسط، نرمي حجر النرد ونعد المربعات، وكلما وصلنا إلى الصف الثاني من الصورة كانت تلتقطنا أفعى لئيمة وتعيدنا من حيث بدأنا، أنا لم أكن أخشى الثعبان في إفساد اللعبة بقدر ما كنت أخشى التنّين - أقصد أخي خصمي في اللعبة - فكلما كان يشاهدني أقترب من التتويج، والزحف يتوالي نحو رقم «100» كان ينفخ على طريقة التنين، فتطير الكرتونة والنرد وأحجار اللعبة والمراكز لنعود من الصفر كما دوماً.

اللعبة المجانية والمملة الثالثة هي عمل «قلابات» رمل من «باكيتات» الدخان الفارغة، تطوى ورقة القصدير بشكل رفيع وتدخل بين ثنيات الورق، تربط بالغطاء المتحرك لباكيت الدخان، وعندما تسحب ترتفع إلى أعلى وعندما تُرخى تنزل إلى أسفل فيصبح الغطاء «قلاّباً»، على الرغم من أنها لعبة تافهة وغبية ولا يوجد فيها أدنى متعة، إلا أنني لم أكن أتقنها على سذاجتها، الأمر الذي يؤكد أن عندي صعوبات تعلم مزمنة، ولم يكتشفها أحد حتى اللحظة،

كنا نتعلّق بأي شيء يلهينا عن فراغنا الواسع كمحيط، ويسكتنا عن فقرنا الضيق كعين إبرة، كنا نتسلّى بمهملاتنا، كي نصنع فرحاً مجانياً أو لعبة تدوم لدقائق، كنا نختبئ عن أعمارنا حتى نكبر غفلة مثل أبطال «المسلسلات».

الآن.. تلفزيون وإنترنت ومولات ومدن ترفيهية و«آي باد» وآلاف الألعاب المحملّة والمحطات المتخصصة ويتذمر الطفل من «الملل»، باختصار كل ملفات الترفيه تعمل «لودنج» في الوقت نفسه، وبالتالي كلها في الوقت نفسه تعطي رسالة «جارٍ التشتيت» للطفل، آه لو أنكم جرّبتم صناعة «سيارة الأسلاك» وبحثتم عن موادكم الخام حفاة في زقاق الحي، مزبلة الحارة كانت «آي بادنا» الذي نحمل منه كل «الأبلكيشن» المطلوب للتسلية، بدءاً من الأحذية المقطوعة وقشر البطيخ، مروراً بالعظام «المجرومة» وانتهاء بالزجاج المكسّر، إنها «أبل ستور» خاصتنا.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر