5 دقائق

قليلاً من الخصوصية

الدكتور علاء جراد

الخصوصية هي حق الفرد في الحفاظ على معلوماته الشخصية وحياته الخاصة، وهو حق تكفله معظم الدول في دساتيرها وقوانينها، لكن تختلف درجة الالتزام بهذا الحق من دولة إلى أخرى، وقد نصت المادة (12) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه «لا يُعرَّض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات». وللأسف، فكل يوم تحدث انتهاكات جسيمة لهذا الحق، في كل أنحاء العالم، وقد أسهم الإعلام الأصفر في تلك الحملات وتلك الانتهاكات بطريقة همجية.

استغرقت طوال اليوم مفكراً في هذا الموضوع، بعدما قرأت في الصباح رسالة على إحدى مجموعات التواصل الاجتماعي، من أم تخاطب أبناءها بأنه ليس مطلوباً منها أن تجلس معهم طوال الوقت، بل من حقها الانفراد بنفسها، ولو لمدة 10 دقائق في اليوم، أو أن تخرج بمفردها بعض الوقت، لأن ذلك سيعود على أبنائها بالفائدة، ويمكّنها من أن تستعيد شحن طاقتها، وتذكرت أيضاً ممارسات لبعض العائلات، إذ لا يحتوي قاموسها على كلمة خصوصية، فمن الطبيعي أن «تفتش» الزوجة هاتف زوجها، وكذلك ملابسه، بل أن تتنصت على مكالماته، وكذلك يفعل الزوج، ومن الطبيعي أن يفتح حقيبة يد زوجته ويعرف ما فيها، ويحدث ذلك في بيئة العمل أيضاً، عندما يتلصص بعض الزملاء على بعضهم، أو يتدخلون فيما لا يعنيهم، أو أن ينقلوا حديثاً خاصاً إلى آخرين لا ينبغي لهم معرفة ما دار في ذلك الحديث.

إن احترام خصوصية الآخرين وعدم التدخل في حياتهم، ولو كانوا أقرب الأقربين، لهو من علامات الرقي والتحضر، وكل إنسان بحاجة إلى تلك المساحة التي ينفرد فيها بنفسه، ويعيش بداخل مملكته الفكرية، ولو لوقت قصير خلال اليوم أو الأسبوع، وكذلك عدم التطفل على الآخرين، لمعرفة ماذا يقولون، وماذا يلبسون، وإلى أين سيسافرون، وماذا يكتبون على شبكات التواصل. إن الشعور بالحصار من الآخرين لهو إحساس بغيض، لكن للأسف، فقد تمادى معظم الناس في انتهاك الخصوصية، وآخرها سيل المكالمات السمجة من البنوك، التي تعرض خدماتها يومياً، مراراً وتكراراً، دون مراعاة لوقتك أو خصوصيتك، ثم تأتي بعدهم شركات التخفيضات، وشركات العقارات، وهلم جراً، لدرجة تؤدي إلى التوتر.

ملحوظة: قررت الحصول على «إجازة خصوصية»، والاختفاء في إحدى جزر المالديف بعض الوقت، لذا لن أستطيع الرد على الرسائل ولا المكالمات خلال الأيام المقبلة.. أمنياتي لكم بأقصى درجات الخصوصية.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر