5 دقائق

الكذّاب لا يُصدِّق أحداً

الدكتور علاء جراد

الكذب، هو تزييف الحقائق جزئياً أو كلياً، أو اختلاق روايات لم تحدث، بقصد الخداع، لتحقيق أغراض معينة، وهو آفة وخُلُق غير محمود، ولاشك في أنه لا أحد يحب الكذب أو التعامل مع مَن يكذب، لكن، هل نحن بعيدون عن هذا الخُلُق؟ هل نلتزم الصدق في كل ما نقول حتى لو أضر ذلك مصالحنا؟ هل نكذب بحجة أنها كذبة بيضاء أو كذبة صغيرة لن تضرّ أحداً.

«الكذاب نفسه لا يثق بأحد، لأنه يعتقد أن كل الناس تكذب».

في استطلاع أجرته إحدى الصحف الأسترالية، تبين أن الأستراليين يكذبون بمعدل ثلاث كذبات يومياً، في أمور تتعلق بعملهم أو أماكن وجودهم، وبالطبع أغلبية الكذب إما على المدير أو شريك الحياة؛ لا أعتقد أن هناك أبحاثاً أو استطلاعات جرت حول هذا الموضوع في العالم العربي، لكن من خلال مواقف الحياة اليومية، فإن كثيرين قد يكذبون بمنتهى السهولة، مع ملاحظة أننا لا ندرك أننا نكذب، لأنها أصبحت عادة، فمثلاً الموظف الذي يتأخر عن العمل سيختلق الأعذار لتبرير هذا التأخر، فقد يذهب الموظف لإيصال ابنه إلى المدرسة ثم يدعي أن إطار السيارة كان بحاجة إلى التبديل.

وقد خسرت موظفة كندية قضية أقامتها ضدها الشركة التي تعمل فيها، إذ ادعّت الموظفة أن لديها مرضاً عضالاً يمنعها من الحركة، وقد نجحت في ترتيب أوضاعها مع شركة التأمين، وبناء عليه حصلت على إجازة طويلة للعلاج، لكن صورها على الـ«فيس بوك» فضحتها، وكسبت الشركة القضية.

المشكلة الحقيقية هي أن الاعتياد على الكذب يحوله إلى شيء طبيعي، فلا يلاحظ الإنسان أنه يكذب، إن الكذب يؤثر في نزاهة الإنسان وصدقيته، وبالتالي لا يمكن الوثوق به، كما أن الكذّاب نفسه لا يثق بأحد، لأنه يعتقد أن كل الناس يكذبون، وقد لخص ذلك برنارد شو بقوله: «مأساة الكذاب ليست في أن لا أحد يصدقه، وإنما في أنه لا يصدق أحداً»، وكلا الأمرين مُرّ.

وللكذب درجات وأشكال متفاوتة، من حيث حجمه والغرض منه، مثل كذب التفاخر أو الكذب الكيدي أو الكذب المرضي، لكنه في النهاية كذب.

تبقى مشكلة أخرى، وهي الطرف الآخر، سواء كان في العمل أو في الحياة الاجتماعية، فقد لا يكون مستعداً لتقبل الصدق، لذلك علينا جميعاً أن نكون عقلانيين وموضوعيين، ونشجع أنفسنا ومن هم في دائرتنا على قول الصدق مهما كلف ذلك.

ليتوقف كل منا قليلاً إذا شعر بأنه مضطر إلى الكذب حتى ولو كذبة صغيرة، ويراجع نفسه قبل التفوّه بتلك الكذبة، فالكذب من خصال المنافقين، التي نهى عنها الإسلام، بل كل الأديان السماوية.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر