مزاح.. ورماح

«علمتني الحياة..!!»

عبدالله الشويخ

أن ذلك الذي يتقلص وجهه ألماً حين يرى قطوة متسخة في الشارع ويصدر أصواتاً كثيرة على غرار.. أووووه.. كيووووت.. حياتييييي.. ماي جوووود.. هو ذاته الذي لديه القابلية لضغط زر يفني حياة ملايين البشر في لحظة دون أن يصدر ضميره أي صوت.. وكلما زاد العطف على الحيوانات «الكيوت» كان القلب متحجراً أكثر!

أن تلك التي تُظهر ملائكية زيادة على المستوى المسموح به دولياً على شاشات التلفاز، وهي تقدم برامجها الاجتماعية، هي أكثر الناس ضراوة خلف الشاشات، ولا مشكلة لديها في شي كبدك والتهامه حياً، لو أنك طلبت منها مجرد تغيير موعد فقرتها التي تذكر فيها الناس بضرورة التعامل الإنساني في ما بينهم..!

أن ذلك الذي يبالغ في قضية «حبو بعض»، وإذا صفعك غلوم على خدك الأيمن، فيجب أن تدير له خدك الأيسر، هو ذاته الذي سيتحول إلى وحش كاسر إذا اقترب أحدهم من منطقة مصالحه.. جميع الناس لطفاء وجميلون حين يتعلق الأمر بآخرين.. لكن هل جربت يوماً معرفة ردة فعلهم حين يتعلق الأمر بهم!

أن تلك التي تنظر إليك في المول بقرف، حين رأتك وأنت تأكل الطبق الرئيسي، قبل أن تتناول الـ«سالاد»، هي ذاتها التي تتحول إلى بمبو المفترس في بيتها حين تطيح صينية المندي.. ولديها قدرة عجيبة على التكويرة، ولعق الأصابع، وطلب المزيد من «البسباس» بفم ممتلئ!

أن الأحمق الذي يملأ الدنيا صراخاً مطالباً بحرية الرأي، وأن الآراء لا تصادر، وحرية الكلمة يجب أن تكون مكفولة للجميع، هو ذاته الشخص الذي يستعد لمقاطعتك لمدة ثلاث سنوات، وتشويه سمعتك وتلطيخها بالتيزاب، لو أنك قلت له عكس رأيه، في أنك ترى أن الدويرة أجمل من الزاوية في طرف اللحية الأسفل!

أن ذلك الذي يستخدم مصطلح «إخواننا الوافدين»، ويؤكد في مقالاته على العمق العروبي، والدم والمصير الواحد، ليس سوى حيوان زاحف آخر، لو جاءه رجل من الفخذ الثاني لنفس قبيلته ليخطب ابنته لرفسه إلى الخارج، وهو يؤكد على أن الدماء الكاكاوية للعائلة سيئة الصيت، لا يمكنها الاندماج مع أي دماء أخرى!

أن أكثر المتحمسين للانفتاح بين الأديان، وحرية كل شخص في التعبير عن معتقداته وإيمانياته، وحقه في الحصول على ذات المعاملة.. هم أول الناس رغبة في جمع جميع الراديكاليين، الذين يتصادف بأن لهم ديناً أيضاً، ووضعهم في محارق جماعية، وتحويل ما يتبقى من شحومهم إلى صابون غسيل لشاحنات النقل البطيء!

أن أكثر الناس تكراراً لعبارة «وصخ دنيا» و«دفع بلا» عن الأموال، هو ذاته الذي يوقف سيارته على بعد سبعة كيلومترات، خوفاً من رائحة بطاقة الدرهمين الخاصة بمواقف البلدية!

علمتني الحياة أن كل المبالغين كاذبون.. وكل المثاليين كاذبون.. وكل المتحذلقين كاذبون.. علمتني الحياة الكثير.. وأنها هي ذاتها كذبة كبيرة.

تعلمت الكثير، لكن مع الأسف لن أجد وقتاً لأستفيد مما تعلمته، فقد دفعت الأثمان كلها مسبقاً!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر