5 دقائق

مسابقة أفخم زفاف

خالد الكمدة

طويل جداً ذيل ثوبها الأبيض، كأنها ستستخدمه بعد حين غطاء سرير أو ستائر لغرفة الضيوف، وثقيل جداً وزنه، فما به من أحجار براقة ولآلئ يكفي لإضاءة المكان إذا ما أطفئت الأنوار، أشفق على هذه الصبية النحيلة من حمله والمشي به، لا ذنب لها في ذلك إلا أنها العروس. لا يشبه هذا الكنز الأبيض ثوب زفاف جدتي المزركش، ولا تشبه أصابع الأميرة الصغيرة التي اختلطت فيها زخرفات الحناء بطلاء الأظافر الأحمر، أصابع الجدات وقد تداخلت فيها الحناء بـ«المرامي»، وزاد ألقها لمعان «أبوشوك» في الرسغ البض. عروس اليوم أميرة من قصص «ديزني»، وعرسها من «ألف ليلة وليلة»، أما جمالها فمغبون، وأما مفاتيح سعادتها فمجهولة، وأما استقرار حياتها ومستقبل زواجها، فأمر لم يبحث فيه بعد.

«وبعد أن كانت العروس حلماً جميلاً في مخيلة الشاب، صار الطريق إليها كابوساً يؤرقه ويدفعه إلى الاستمتاع بوحدته».

وكأن قروناً تفصلنا عن تقاليدنا الجميلة، انقرضت من حياتنا اليومية تلك الممارسات البسيطة في شكلها الساحرة في مضمونها، عاداتنا التي تعرف كيف تدخل إلينا الفرح دون مبالغة أو زهو، وتمنحنا فرصة الاستمتاع بمعاني الزواج الحقيقية بغير صالات فاخرة، ولا طاولات عامرة، ولا مجوهرات باهرة.

ثلاثون عاماً أو أقل بقليل، تراجعت فيها «زهبة» العروس لتختبئ في خزانة تكدس فيها «الماركات»، ولم تعد «العينية» تجد لنفسها مكاناً في حسابات مصممي حفلات الزفاف، ولا في فواتير الزهور المتراكمة على «الكوشة» أو في وسط الطاولات، صار الزواج همّاً والزفاف عبئاً، وبعد أن كانت العروس حلماً جميلاً في مخيلة الشاب، صار الطريق إليها كابوساً يؤرقه ويدفعه إلى الاستمتاع بوحدته.

ليس الزفاف مسابقة حتى نحرز فيها لقب الأكبر أو الأفخم أو الأبهى، الزفاف فرح، بهجة بتكوين أسرة، بوضع الأسس للبنة جديدة في مجتمعنا، احتفال بتعزيز الروابط الاجتماعية وشد وثاقها، وليس معيار نجاحه ضخامة الصالة ولا روعة تصميمها الداخلي. وليست حفلات «ألف ليلة وليلة»، مقدمة أكيدة لسعادة القلبين، ولا في ألبومات الصور الضخمة ضمان أكيد لذكريات سعيدة، إذا فقد في ازدحام التفاصيل المعنى الحقيقي للرباط المقدس.

نحتاج إلى عودة جريئة للأصول، تصالح شجاع مع العادات والتقاليد، وتمسك مطمئن بهويتنا الثقافية، بتراثنا الذي يمنح القيمة للجوهر لا للمظهر، لأميرات يكسرن بثقة ما تطور من أعراف، لعروس تضع «الطاسة» على رأسها مدركة أنها أميرة حتى وإن زفت من المنزل، وأن ذيل الثوب الأبيض ليس منبعاً للبركة في زواجها، ولا يضمن امتداد فرحها مهما بلغ طوله.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر