5 دقائق

وقت مستقطع

خالد الكمدة

متعب هو التسابق الدائم مع عقارب الساعة، مقارنة المسافة التي تقطعها هي بما أنجزته أنت من مهام ومواعيد، منهك القفز بين الرسائل الإلكترونية والمطبوعة، والسباحة في الوثائق والقرارات، ومطاردة الأفكار الطائرة والمخاوف العابرة... في وقت ما، تشعر باختلاط كل شيء، وبتساوي كل شيء، وبأن الأيام والساعات تتدفق بروتينها ملتهمة حيزاً أكبر من روحك، لا فرق كم أنت ناجح وكم أنت منتج، أنت في البداية والنهاية بشر، وتحتاج إلى وقت مستقطع.

«المعنى الحقيقي للإجازة هو الراحة، فحبذا لو تخلصنا من الربط النمطي بينها وبين السفر، فالسفر كما قال الأجداد مشقة».

أن تفر إلى روحك، إلى حيث تعرف من أنت وأين، وأن لا يسيّرك جدول مواعيد، ولا تلاحقك عقارب ساعة، أن تنفرد بنفسك ومع من تختار لا من يفرضه عليك واقعك، معزولاً عن ما يخترق خصوصيتك من رنات وتنبيهات، أن تكون السيد الأوحد لوقتك، يوماً أو يومين أو بعض يوم، ليس ترفاً بل ضرورة.

فترة صيانة، سمِّها إن شئت، أو فرصة لترتيب الأوراق والأفكار ومراجعة النفس، فالروح أثمن ما على هذه الأرض، وتستحق منا أن نلتفت إليها بين مشقة وأخرى، حتى لا يتدنى عطاؤها، وحتى لا تفجأ في صبيحة يوم بمنبه أحمر يجبرك على استراحة صيانة. الإجازة ضرورة أكبر لمن لا يطلبونها، لمن ضاع في ازدحام حياتهم العملية معنى الراحة، غُيب عنهم حتى نسوه، لمن لا نستطيع الاستغناء عنهم، وعن وجودهم في حياتنا وفي مؤسساتنا.

ولأن المعنى الحقيقي للإجازة هو الراحة، فحبذا لو تخلصنا من الربط النمطي بينها وبين السفر، فالسفر كما قال الأجداد مشقة، هم وعبء إضافي، مواعيد ورحلات والتزامات، قد يمنحنا تغييراً، لكنه، خصوصاً في فتراته القصيرة، لن يمنحنا مساحة لصيانة الروح، ولا للتمتع بملكية أوقاتنا.

قد يكون مجدياً أن نمنح أنفسنا فترات صيانة دورية، نجدد بها طاقاتنا، ونشحذ بها هممنا، نتخلص من تراكمات الحياة العملية، ونتأمل فيما صنعنا وما نصنع، نتصالح مع الضغوط، ونتفق على هدنة من الهموم، نراجع فيها نظرتنا إليها، وتراجع فيها قسوتها علينا. قد يكون مفيداً أن نجرِّب الوصفة التقليدية التي لا يكتبها الأطباء على الورقة، وباتوا هم أنفسهم يرددونها دون إدراك لمعنها، أن نجرب تناول جرعات حقيقية من «الراحة» قبل أن نبدأ المسكنات والمنشطات، أن نختبر كيف ستعمل أجسادنا بعد أن نعزل عنها الضغوط والهموم والمهام، في إجازة لا نلتزم فيها بشيء إلا إشباع أرواحنا.

KhaledAlKamda@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر