مزاح.. ورماح

«يوم سعيد آخر!»

عبدالله الشويخ

وردني ذلك الاتصال من رقم غريب، عرّف نفسه أنه (بوسعيد) من الجوازات، وأنت تعرف شعوري حين يتصل بي رقم غريب من الجوازات واسمه (بوسعيد)، كدت ألفظ أنفاسي الأخيرة، قبل أن يذكّرني بنفسه، وأنه فلان الفلاني، صديقي في الابتدائية، رحبت به كثيراً، وضرب لي موعداً لا نخلفه في أحد المقاهي على قناة القصباء الجميلة!

صديق الابتدائية، الذي لم تره منذ ثلاثين عاماً يتصل بك فجأة ويصرّ على رؤيتك، ما أجمل ما تهديه إليه؟! لا شيء أجمل من أن تنبش في صندوقك القديم، لتخرج صورة مشتركة لكما في مدرسة الخليج العربي، بثياب أيام الطيبين البسيطة، وصلت إلى المقهى، وأنا أتمنى فقط أن أميزه وسط الجموع، ثلاثون عاماً ليست فترة بسيطة! لكن المفاجأة كانت أقوى من احتمالي،

يبدو أن (بوسعيد) لديه طرقه في الحصول على المعلومات، كان المقهى قد قام بتفريغ ست طاولات، ليجلس عليها جميع أو أغلب طلاب صفنا في الابتدائية، الذين نجح (بوسعيد) في جمعهم للمرة الأولى على الطاولات نفسها في مكان واحد، منذ أن فرقهم قرار إعادة توزيع الطلبة في عام 1990، بسبب الأوضاع السياسية، وقدوم طلبة زائرين من دولة الكويت الشقيقة.

لا يمكنني وصف تلك اللحظات، اجترار الذكريات، أين هذا وأين ذاك، الجميع يسأل الجميع عن حال الدنيا معه، هذا وكيل وزارة، وذاك حارس في نادٍ ليلي رخيص، ذاك المشاغب أصبح رجلاً رزيناً ومطوّعاً، وذاك المحترم انقلب على عقبيه، فأصبح سكيراً، الجبان أصبح ذا شوارب مفتولة وشخصية قوية، والشجاع أصبح رجل عائلة، ينظر إلى ساعته كل دقيقة، لحظات من السعادة التي يصعب وصفها، في أيام قلّ فيها الشعور بالسعادة الحقيقية.

كنا كلنا ننظر إلى (بوسعيد) بامتنان حقيقي، لم يتزحزح أحد قبل فترة طويلة من إعادة ذكر القصص، والترحم على من مات من المعلمين، وتقصّي أخبار من بقي منهم على قيد الحياة، الكل تقريباً فكر بالطريقة نفسها، لذا فقد كان سوقاً سعيداً لتبادل الصور والقصاصات القديمة!

ربما كانت مبادرة ذاتية من شخص فكّر بطريقة مغايرة، لكن صدقني هي فرصة، فوجود مواقع التواصل الاجتماعي، ووجود معلومات الجميع على الإنترنت، يجعلان المهمة أكثر سهولة. بعدنا، قامت صفوف عدة بتكرار التجربة، جرّب كم كان لديكم في الصف؟ ثلاثون طالباً، لو حضر منهم عشرة، فستحصل على أمسية لم تكن تحلم بها.

السعادة في التفاصيل البسيطة، قصة كدت تنساها، شخص لم تكن تتوقع أن يصاب بالصلع، محل فلافل تحبه لتكتشف أن أحدهم يملكه، وجه تراه على الشاشة، ولم تكن تدرك أنه كان يجلس بجوارك.

بين كل الألم في هذا العالم، هناك تكنيكات بسيطة لجلب السعادة، وما حدث في ذلك اليوم، كان سعادة حقيقية تنعكس على حياتك وأسرتك وعملك بعدها، جربوها، وادعوا لي، ولـ(بوسعيد).

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر