كل يوم

قرار إداري غريب!

سامي الريامي

شخصياً لم أفاجأ كثيراً بالقرار الذي اتخذته إدارة هيئة المعاشات، أمس، بتحويل جميع الموظفين المواطنين الذين رفعوا قضايا ضد الهيئة في محكمة أبوظبي إلى التحقيق الداخلي في الهيئة، ولا أستبعد أيضاً أن يتم اتخاذ قرار تعسفي ضدهم عقب انتهاء التحقيق، لأنه من الواضح جداً أن نتائج التحقيق معدة سلفاً، ولا تحتاج سوى إجراءات شكلية لتنفيذها!

هيئة المعاشات التي تستغرق ثلاثة أشهر في إنهاء معاملات المتقاعدين، لم تحتج إلا إلى خمسة أيام من أجل إنهاء خدمات موظفة بدرجة نائب مدير إدارة بحجة «معلنة» هي الانقطاع عن العمل في سنة من السنوات الماضية، ولسبب «غير معلن» هو شكوك المسؤولين في قيام هذه الموظفة تحديداً بتسريب معلومات للصحافة عن الأخطاء والعلل التي تعانيها الهيئة، وإلا ما تفسير إثارة موضوع انقطاع عن العمل في فترة سابقة طويلة، لمعاقبة الموظفة به الآن، واتخاذ قرار فوري بإنهاء خدماتها؟!

«موظفون يشعرون بظلم وظيفي، سلكوا طريق الشكوى الداخلية، ثم لجأوا إلى القضاء بعد أن أيقنوا أنهم لن يجدوا حقوقهم، فأين الجريمة في ذلك؟».

لا أستغرب أي سلوك من هذا النوع، لأن عقليات المسؤولين وسلوكياتهم ليست واحدة ولا هي متشابهة، في الدولة أو كما هي الحال في كل مكان، هناك من يتقبل النقد، ويبحث دائماً عن المشكلة الحقيقية ليتداركها، ويضع الحلول الفورية لها، ويسعى إلى وضع الإجراءات الاحترازية الكفيلة بعدم تكرار وقوعها، وهناك من يفعل العكس تماماً، لا يبحث عن أصل المشكلة، ولا يلتفت إليها أصلاً، بل يبذل جهوداً ضخمة في البحث عمن تسبب في ظهور هذه المشكلة للرأي العام، ويبذل جهداً أكبر في الانتقام و«تأديب» كل من تجرّأ على توجيه النقد، هذا الجهد عادة يكون أكبر بكثير من حل المشكلة نفسها!

عموماً الرسالة التي وجهتها إدارة الموارد البشرية للموظفين المواطنين، ومنهم مديرو إدارات ورؤساء أقسام، غريبة جداً، فقد أرجعت سبب تحويلهم للتحقيق إلى «تقديمهم وثائق ومستندات وبيانات في الدعاوى المقامة على الهيئة أمام محكمة أبوظبي الاتحادية الابتدائية في ما يخص التسكين»، ما يثير أسئلة من نوع.. وهل كانت الإدارة تعتقد أن بإمكان أي شخص أن يتقدم بدعوى إلى المحكمة بشكل «شفوي» مثلاً، من دون أن يقدم المستندات والوثائق التي تؤكد كلامه؟! وأين السرية والخصوصية في أوراق تتعلق بشكوى «تسكين»، التي لا يمكن أن تتعدى رسالة التعيين، وشهادات الخبرة، ومؤهلات الشخص، ورسائل الشكر والتقدير والترقيات والعلاوات، وكل ما يثبت أنه يستحق درجة أفضل، أو وضعاً أفضل؟!

موظفون يشعرون بظلم وظيفي، سلكوا طريق الشكوى الداخلية، ثم لجأوا إلى القضاء بعد أن أيقنوا أنهم لن يجدوا حقوقهم، فأين الجريمة في ذلك؟ أوَ ليست المحاكم هي المكان المحايد الآمن الذي أنشأته الدولة للتظلم والشكوى وإرجاع الحقوق إلى أهلها؟ أوَ ليست المحاكم هي الحكم الفصل العادل الذي يقبل بأحكامه الجميع؟ أوَ ليس هؤلاء الموظفون هم مواطنون يحق لهم قانوناً وعرفاً وأخلاقاً اللجوء إلى المحاكم في حالة شعورهم بالظلم أياً كان نوعه؟!

أين الجريمة، أو الخطأ الإداري، أو التجاوز القانوني الذي ارتكبه هؤلاء الموظفون عندما قدموا أوراقاً تثبت عدالة قضيتهم ــ من وجهة نظرهم ــ إلى المحكمة؟ ما الفعل الذي يستوجب تحويلهم إلى التحقيق؟ أو ليس فعل تحويلهم إلى التحقيق هو في حد ذاته تجاوز وتطاول على القضاء؟ فالموظفون تقدموا بدعاوى إلى المحكمة، وهي منظورة في ساحة القضاء، وإجراء تحويلهم إلى التحقيق من قبل الهيئة فيه نوع من الضغط عليهم، كما هو سلوك غير مباشر يوحي بعدم القبول بفعل اللجوء إلى القضاء، كما يوحي بعدم قبول الأحكام لاحقاً!

تصعيد سيّئ للأسف، وبدلاً من مراجعة الإدارة لتظلمات الموظفين ومحاولة كسب رضاهم، واستيعابهم بالتي هي أفضل، فضلت الاستمرار في طريق التسلط وإثبات القوة، وهو طريق مهيّأ لكسر هؤلاء الموظفين، فهم الحلقة الأضعف، لكن تأثير ذلك في الهيئة لن يكون سهلاً، فالاستغناء عن هؤلاء الموظفين بمختلف درجاتهم الوظيفية، وبما يملكون من خبرات إدارية في ظل التخبط الإداري والعشوائية والفوضى التي تعانيها الهيئة لن يزيد الوضع إلا سوءاً!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر