كل يوم

نموذج «حرية»!

سامي الريامي

فظيع ذلك الفعل، الرذيلة في أسوأ أشكالها، وعلى الملأ، دون احترام لأرض، أو مكان، أو ذوق عام، فيه امتهان للمرأة، وللعادات والأخلاق وكل معاني الإنسانية، امتهان رخيص جداً، لذلك كان الجزاء من جنس العمل، فجاءت الأوامر العليا سريعة، لتحويل كل من شارك في ذلك الفيديو أو ساعد عليه إلى العدالة، لينال كل واحد منهم الجزاء الرادع، صوناً للكرامة، وحفظاً للشباب والشابات من تلك المفسدة.

صحيح أن مقطع الفيديو أصاب الجميع بالذهول، لأنه تجاوز حجم استيعابهم لمعنى الرخص، لكن هذا لا يعفي جميع من أسهم في صنع نموذج «حرية» من مسؤولية تجاوزاته.

دعونا نتساءل قبل ذلك كله: من الذي صنع «حرية»؟ ومن الذي ساعد على تحويله إلى حالة إعلامية مطلوبة، على الرغم من أن حقيقته التي ظهرت في ذلك الفيديو، هي ذاتها حقيقته التي يعرفها الجميع، ومنذ زمن طويل؟ صحيح أن مقطع الفيديو أصاب الجميع بالذهول، لأنه تجاوز حجم استيعابهم لمعنى الرخص، لكن هذا لا يعفي جميع من أسهم في صنع نموذج «حرية» من مسؤولية تجاوزاته، وتطاوله على الحياء العام بهذه الطريقة المزرية!

الإعلام هو المسؤول الأول، نعم ولا أعفي أحداً من مسؤولية التسويق والترويج لهذا النموذج، فهذه الشخصية تحولت إلى نجم إعلامي مطلوب في معظم القنوات، يزجّ به في اللقاءات، وفي البرامج، وحتى في الكاميرا الخفية، تستضيفه جميع استوديوهات البث التلفزيوني والإذاعي، ثم تحول فجأة إلى شخصية عامة يُدعى في المناسبات، وله مكان في المحافل والفعاليات والأنشطة الرياضية وغير الرياضية!

ليس هذا فحسب، بل هو ممثل رسمي لمنتخب الإمارات ورئيس رابطة الجماهير، تلك الجماهير التي تضم شباباً يافعين، ومراهقين، وصغاراً في سن العنفوان، يقودهم حرية، يسافر معهم حرية، ويسهر الليالي معهم حرية، باسم التشجيع وباسم المنتخب، ليصبح حرية بشكل رسمي كأنه نموذج للمشجع الإماراتي الذي يقف خلف منتخب بلاده!

الجميع أسهم في تضخم هذا النموذج، ليس الإعلام فقط، وإن كان هو المسؤول الأول من وجهة نظري، بل حتى كل من يتداول لقطات الفيديو الخاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وجد «حرية» ضالته في مزيد من الانتشار والتضخم، يسهم أيضاً في نشر النموذج، أصبحت لقطات وفيديوهات «حرية» تنتشر، وتحقق مئات الآلاف من المشاهَدات، والمشاهدون هم نحن، صغاراً وكباراً، نتناقلها، ونرسلها إلى بعضنا بعضاً، وفي ذلك تأييد ضمني لنموذج حرية، وأفعال حرية، وحركات ورقصات وكلمات حرية!

صدمنا بالفيديو، وفجعنا بحجم الرذيلة، لكنها نتيجة طبيعية لحجم التضخم الذي أصيب به حرية، لقد وجد استحساناً في كل ما يقول، وكل ما يردد، وكل ما ينشر، ووجد مؤيدين، وكلمات غزل فيه أينما ذهب، ووجد رضا وقبولاً لأفعاله في كل مكان، ووجد طريق الشهرة والمال في مثل هذه الممارسات، لقد تمرد على كل شيء كما يتباهى ويتفاخر في لقاءاته التلفزيونية، التي تنقلها القنوات إلى كل بيت، ويسمعها كل صغير وكبير: «سموني حرية، لأني تمردت على المجتمع وعلى قيوده بكل حرية»، فأين كنا حين ذلك؟! ومن المسؤول الآن عن صنع هذا النموذج؟!

خطورة ظاهرة حرية تتركز في محورين: داخلي وخارجي، والأول يكمن في إمكانية اعتباره نموذجاً مقبولاً لدى المراهقين، وقد يسعى البعض إلى تقليده، سعياً وراء شهرة، والثاني يجعل كل من يرى الفيديو يعتقد أن هذه الممارسات هي جزء من ثقافة البلاد، ومقبولة من أهلها، وحقيقة الأمر غير ذلك، فهي رقصات وفدت من بعض المناطق، ووجدت من يروجها مثل حرية!

الإمارات بلد رائد في الاقتصاد والسياحة والعلوم، ولديه نماذج مشرفة لترويجها في المنطقة والعالم، باعتبارها نماذج تحتذى، لكن حرية بالتأكيد ليس واحداً منها!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .   

تويتر