5 دقائق

نميمة الإعلام

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

تُعرَّف النميمة في الشرع بأنها: نقل الحديث بين الناس على وجه الإفساد، وإن كان الحديث صحيحاً، وهي محرمة شرعاً وعقلاً؛ لما فيها من الإفساد بين الناس، والله لا يحب المفسدين، ولذلك كان النمامون بشر المنازل عند الله ذكراً، وشر المنازل مآلاً، فلا يدخل الجنة قتَّات أي نمام، ولا يجهل الناس ضرر النميمة الاجتماعي، والكل يعلم عظيم جرمها عند الله تعالى؛ لعظيم خطر إفسادها بين الناس، وتلك هي الحالقة التي تحلق الدين.

«الإعلام الذي يعمد إلى الأخبار التي تفتن الناس في ما بينهم أو مع غيرهم حقه أن يسمى إعلاماً فاسداً».

إلا أن الناس لا يفطنون كثيراً للنميمة الإعلامية التي تشعل أوار الفتنة فتجعلها تشبّ كما تشبّ النار في الهشيم، ولو تأملوا ما حل بالأمة العربية، على وجه الخصوص، لوجدوا أن سببها الأساس هو نميمة الإعلام، حيث يتخذ من الحرية الإعلامية درعاً واقية، فينشر ويحاور ويحلل ويتجسس ما يفسد الشعوب في الداخل والخارج، والحرية الإعلامية تقتضي تحري الصدق وترك ما سواه. والمهنية في الطرح بحيث ينفع ولا يضر، فما كل ما يعلم يقال.

إن الإعلام الذي يعمد إلى الأخبار التي تفتن الناس في ما بينهم أو مع غيرهم حقه أن يسمى إعلاماً فاسداً، ويتعين على الناس مقاطعته، لكبير ضرره وعظيم خطره، لاسيما مع العلم بذلك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه رضي الله تعالى عنهم «لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر»، وهو بذلك يعلمنا كيف نُعرض ونتغاضى عما يوغر الصدور ويشحن القلوب من الأخبار ولو كانت حقيقية، فكيف إن كانت مفبركة وملفقة لقصد الإفساد؟!

وقد علم الناس أجمعون أن ما حل بالأمة العربية والإسلامية من كوارث أن سببه الأول هو الإعلام الذي أثار كوامن النفوس وأوغر الصدور حتى وقعت الوقائع التي دمرت ولم تبنِ، وأفسدت ولم تصلح، وها هو الإعلام الفاسد لم يزل في ضلاله القديم ينشر النميمة ويوقع الضغينة، والجميع يستمع إليه ويصغي ويتابع حتى أصبح شغل الناس الشاغل، وهويتهم المفضلة، وهذه غفلة من الناس عن واقعه وحكمه، وليس ذلك عذراً مبرراً، فإنه وإن كان النمام هو الإعلام إلا أن الرضا بذلك يعتبر رضا بالإثم والعدوان والمنكر، وكل ذلك لا يجوز للمسلم فعله أو قوله.

إن الأصل في الإعلام أن يكون بانياً لا هادماً، ومصلحاً لا مفسداً، فإن سار بذلك المنهج فما أحسنه وأجمله! وإن تنكَّب منهجه كان على الناس تقويمه بالإعراض عنه على الأقل، فأهل الخير يعرضون عن الجاهلين ويقولون لهم: سلام عليكم لا نبتغيكم، فلا تبتغوا الفتنة فينا فإنها نائمة وملعون من أيقظها كما روي.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر