كل يوم

تقاعد الأطباء.. هل يعقل ذلك؟!

سامي الريامي

قد نكون هنا، المكان الوحيد في العالم الذي ينهي خدمات طبيب «مواطن»، أو يحيله للتقاعد، في حين أن العكس تقريباً هو السائد، وهو المعمول به في مختلف المدن والدول، من حيث تقدير الطبيب ورفع شأنه، كلما زادت سنوات خبرته، وسنوات عمره.

«قد يتوقف الطبيب عن إجراء بعض العمليات الصعبة في عُمر معين، لكنه لا يتقاعد نهائياً عن الطب، فالأطباء يتحوّلون إلى أخصائيين ومن ثمّ إلى استشاريين».

الطب مهنة حية لا تموت، هي مهنة متطورة، سنة بعد سنة، بل يوماً بعد يوم، والطبيب، الممارس لهذه المهنة سنوات طويلة، هو الأكثر خبرة وعطاء وعلماً ومعرفة من الطبيب المبتدئ، وفي الدول المتقدمة يعامل على أنه ثروة حقيقية قومية، ومن أجله يشد المرضى الرحال للمدينة، والمستشفى الذي يعمل فيه، من داخل دولته وخارجها، لذلك فهو يحظى باهتمام حكومي غير عادي، ويحرص الجميع على توفير سبل الراحة له.

أما ما يحدث هنا فهو أمر غريب، حيث يعامل الطبيب المتخصص كالموظف العادي، ومع احترامنا لجميع المهن وأهميتها إلا أن ذلك لا يجوز إطلاقاً، لأسباب كثيرة، أولها صعوبة دراسة الطب كمادة علمية، وطول عدد السنوات اللازمة للحصول على الشهادة العامة، ثم شهادة التخصص، تليها سنوات التدريب، ومن ثم شهادة الزمالة، واشتراط سنوات معينة لكل مرحلة، ولا أعتقد أن التخصصات الأخرى تحتاج إلى كل ذلك، ثم إن صرف الدولة على تخريج طبيب مواطن واحد، لا يعادله صرفها على بقية التخصصات، ومهنة الطب في حد ذاتها ليست كبقية المهن، من حيث الأهمية والضرورة، لذلك لا يجوز أبداً الاستغناء عن الأطباء بطريقة التقاعد، فالدكتور تزيد قيمته بزيادة سنوات عمله وخبرته، كما لا تجوز مساواتهم مع بقية الموظفين من حيث الامتيازات والقوانين، وإجراءات نهاية الخدمة والإحالة للتقاعد.

من الوارد جداً أن يتوقف الطبيب عن إجراء بعض العمليات الصعبة بعد عُمر معين، يحصل ذلك، لكنه لا يتقاعد نهائياً عن الطب، فالأطباء يتحولون إلى أخصائيين ومن ثم إلى استشاريين، ويمكن الاستفادة منهم كأعضاء لجان تطوير، أو أعضاء مجالس إدارات هيئات أو مؤسسات طبية، أو مستشفيات، كما يمكن الاستفادة منهم في تقديم الاستشارات الفنية لوضع القوانين الصحية، أو لاستقطاب الأطباء الجدد، وتقييمهم، والتأكد من قدراتهم، ويمكن الاستفادة منهم أيضاً في مجال التدريب، وفي مجال البحوث والدراسات الطبية، وأمور أخرى كثيرة خارج غرفة العمليات، أما إنهاء خدماتهم، أو إحالتهم للتقاعد بجرة قلم، وإرسالهم إلى بيوتهم بقية أعمارهم، فإنها خسارة كبيرة للدولة أولاً، قبل أن تكون لهم!

من الواضح جداً أن هناك غياباً في فهم أهمية مهنة الطب، ودور الأطباء الحيوي، ولذلك فمسار التطور الوظيفي للطبيب ينحرف فجأة، ويتحول من تخصصه الطبي الصعب، الذي يجب أن ينهل منه المزيد، ليخدم الدولة في هذا التخصص، إلى موظف إداري يدير قسماً أو إدارة، أو بالكثير مستشفى، فيترك الأجهزة والسماعة الطبية الشهيرة، ويغادر غرفة العمليات ليجلس خلف كرسي وطاولة، يوقع إجازات ومعاملات الموظفين، ولا عزاء لدراسة الطب الصعبة مع تحوله لموظف بسيط، حاله حال الآلاف من الموظفين!

وماذا بعد ذلك، تتم محاسبته إذا أخطأ إدارياً، أو لم يخطئ أحياناً، وربما تُنهى خدماته ويحال للتقاعد كأي موظف آخر، لمجرد تغيير الإدارة العليا مثلاً، من دون الالتفات إلى ماضيه الطبي، أو أموال الدولة التي صرفت لتأهيله طبيباً، كما لا ينظر أبداً إلى إمكانية الاستفادة منه كخبير أو مستشار أو أي شيء آخر، فهل يعقل ذلك؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .  

تويتر