كل جمعة

بشّار البغداديّ

باسل رفايعة

أربعة أعوام على الثورة السورية، التي تحولت إلى نكبة.

ففي 26 فبراير 2011، وفيما «الربيع العربي» يتنفّس في الشوارع والجامعات والميادين، قرّر 15 طفلاً سورياً في مدينة درعا، أن بلادهم جديرة بالأزهار والحرية، فكتبوا على جدران مدرستهم كلمات قليلة، بخطوطٍ مرتجفة، وبأخطاء إملائية. تعلموا كيف يكتبون شعاراً ينادي على الصبح والشمس والكرامة، كل ما حفظوه في مدرسة البعث العربي الاشتراكي، لم يكن صالحاً لجملة مفيدة واحدة.

«أربعة أعوام، نصف مليون قتيل وجريح، وملايين اللاجئين، ولكل عصابة دولة، لا فرق إن كان رئيسها أبا بكر البغدادي أو بشار الأسد».

لم يكن صحيحاً بما يكفي لمنع الجوع عن بيوتهم، لم يكن سوى أكاذيب تصطفّ يومياً معهم في طابور المدرسة، وهم يهتفون لـ«رسالة خالدة» لحزب لا يسمح لآبائهم بأن يشتروا فأساً، دون إذن مسبق، ولـ«قائد تاريخي» نجح في أكثر من أربعة عقود في توسيع الزنازين وفروع المخابرات، مزهواً بأكذوبته الكبرى: المقاومة والممانعة.

قبل أعوام، خرْبشَ رفاق حمزة الخطيب أحلامهم، فكانت الجدران سورية كلها، وكان الدم أسهل ما كان، قطع بشار الأسد كلّ يد ارتفعت في تظاهرة، وقرّر أن الأطفال والشباب في الشوارع إرهابيون مسلحون يسعون لتحطيم أسطورة المقاومة والممانعة، في إطار مؤامرة عالمية، جرى تدبيرها على كوكب المريخ.

هكذا، في شهور قليلة، تحولت سورية إلى خنادق وثكنات وسجون، وقرّر تنظيم «البعث» أن الجريمة تحتاج إلى «تنظيمات» أخرى، للتعاضد في ذبح السوريين، وتبديد كل قيمة للأخلاق، وكان له مسعاه، وقد علّم «داعش» أصول التوحش والانحطاط.

لنتذكر، ونحن نعيش الذكرى الرابعة للنكبة السورية، أن عصابة بشار قدّمت دروساً مسبقة لكل «الدواعش» في سورية والعراق وليبيا وسيناء. لنتذكر حمزة، الطفل ذا الـ13 عاماً، الذي اعتقله «دواعش» بشار في يونيو 2011، وعاد إلى أهله جثةً مملوءة بالحروق والصدمات الكهربائية، وقد قُطعت أعضاؤه التناسلية.

لا تنسوا كيف علّم بشار رفيقه أبا بكر البغدادي أن الموت يجب ألّا يكون في لحظة واحدة، فهذا إبراهيم القاشوش، الفتى الحمويّ، الذي اخترع هتافات التحرر السوري، أمسك به شبيحة بشار وذبحوه، ثم اقتلعوا حنجرته، ورموه في نهر العاصي في يوليو 2011، لكن ذلك لم يكن رادعاً لشجاعة السوريين وبطولتهم، لم يجدِ معهم التهجير والتجويع والتعذيب وتركيع الناس وإجبارهم على عبادة الأسد، الذي ارتكب في 2013 مذبحة الغوطة بالغاز الكيماوي، وقتل 1466 سورياً وهم نائمون، ثم كانت مجزرة البيضاء، وتعدد الموت السوري، أكثر من الإحاطة والإحصاء، بالصواريخ والبراميل المتفجرة وتحويل الأحياء السكنية إلى مقابر جماعية على امتداد التراب السوري، الذي تناهشه «الدواعش»، وزرعوه بالفجائع والنكبات.

التنافس بين الظلام والظلام مستمر، وشديد السواد. اغتصب جنود بشار الأسد الأطفال والنساء، انتزعوا اللحم البشري بالملاقط الحديدية، وقطعوا الرؤوس، والأعضاء والأطراف، ودفنوا الناس أحياءً.

لا تنسوا الصعق الكهربائي، وحرق الأجساد بالأحماض الكيماوية، كان كل ذلك محفوظاً بصور ومقاطع فيديو في هواتف صغيرة، في حين وظّفت عصابة «داعش» تقنيات سينمائية في أفلام الرعب الواقعي، الذي تواصل تصويره وإنتاجه في دولتها الخرافية، وتفوقت (ربّما مرحلياً) في سباق التنافس المعتم إياه.

أربعة أعوام، نصف مليون قتيل وجريح، وملايين اللاجئين، ولكل عصابة دولة، لا فرق إن كان رئيسها أبا بكر البغدادي أو بشار الأسد، ولا فرق إن كان شعارها «وحدة، حرية، اشتراكية» أو «خلافة إسلامية».

brafayh@ey.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر