5 دقائق

حرية التعبير وغياب الضمير

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

حرية التعبير يعتبرها العالم المتحضر مقدّسة، ويصلون من ذلك إلى مرادهم من البذاء، وهو في الحقيقة ضرب من الغباء، لأن الناس يرونهم غير صادقين، فهم يكذِّبون ذلك المقدس في أبسط الحقائق، حيث لا يعبرون عنها بصدق في تأريخهم، فضلاً عن غيرهم، والواقع أن هذا المصطلح عندهم هلامي، ليس بواقعي، فإن الحديث عن هولوكوست تشكيكاً جريمة، وعن الصهيونية تجريماً إرهاب، وعن الرموز الوطنية نقداً عنصرية.... ولو أنهم كانوا صادقين لكانت حرية التعبير مكفولة في كل ذلك وغيره.

«حرّم الإسلام على المسلم أن يسبّ آلهة تُعبد من دون الله، وأوجب القول الحسن لكل الناس».

إن حرية التعبير مكفولة في الإسلام ليقول المرء بصدق، ويتحدث عن الآخرين باحترام، ويذكر الأجلاء بوصفهم الواقعي، فإن لم يعبر الإنسان عن كل ذلك بواقعية كان كذّاباً أشِراً، والكذب مما اتفقت الأمم، قديمها وحديثها برها وفاجرها وإنسها وجنّها، على مقته، فأي حرية للتعبير إذا كان إفكاً مفترى؟ أليس ذلك جناية على الحقيقة، وغشاً للأجيال، فضلاً عن كونه استفزازاً بغيضاً عند من يحترم نفسه وغيره، فيؤدي إلى الكراهية والتناحر بين البشر وأهل الوطن الواحد، فلابد إذاً من مراجعة المصطلحات التي يُراد تمريرها للعالم لتكون أدق، حتى لا يفتن الناس بها ويقعون في المحظورات بسببها.

إن الحرية كما حددتها المادة الرابعة من إعلان حقوق الإنسان الفرنسي الصادر سنة 1789، هي قدرة الإنسان على إتيان كل عمل لا يضر الآخرين، فإن ضر الآخرين كان تعدياً، يعاقب عليه القانون العام، والضرر النفسي الذي يلحق المسلمين والعقلاء من غيرهم بسبب الرسوم المسيئة، يعتبر ضرراً عاماً يجب أن يرفع من غير مواربة أو مخاتلة.

إن المسلمين أجمعين يقدسون الأنبياء، وهو ركن من أركان إيمانهم، ويحترمون الآخرين في رموزهم وعقائدهم، تاركين لهم حرية كاملة في ما يعتقدون ويعبدون ويقدسون، والواجب أن يعاملهم غيرهم بالمثل، إن لم يكن هناك ضمير وازع على احترام رسول البشرية ودين الأمم.

إن التصرف الأرعن، الذي يصدر من بعض المسلمين، بسبب ما أصابهم من الغيظ على نبيهم المصطفى، لا يجوز أن يكون مبرراً لزيادة الاستفزاز، بل يتعين أن يكون واعظاً لهم، لأن هناك مشاعر يجب أن تحترم للحق الإنساني، وتطبيقاً لحضارة القيم التي يسعى الناس إليها ويتفاخرون بها.

لقد حرّم الإسلام على المسلم أن يسبّ آلهة تعبد من دون الله، وأوجب القول الحسن لكل الناس، والحوار النافع من أجل الهداية، والتعارف بين الشعوب، والتواصل بين الحضارات، والمسالمة مع الكل، كل ذلك لأن هذا الدين دين القيم العظيمة، ويريد من الناس أن يتمثلوها، حتى يتم التعايش على الوئام بدلاً من الخصام، والسلام بدلاً من إهلاك الأنام.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر