5 دقائق

ربيع المحبة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يتساءل بعض الناس لماذا لا يظهر الاحتفاء بالنبي صلى الله عليه وسلم لدى بعضهم إلا في شهر ربيع الأول؟ ألم يكن النبي صلى الله وسلم عليه رحمة للناس ونعمة عليهم ومِنَّة لهم في كل العام وفي كل يوم وفي كل ساعة! والحقيقة أنه سؤال وجيه، ينبغي أن يحرر له جواب شافٍ، ولعل أنفع جواب هو: أن المناسبة لها أثر في إشاعة الاحتفاء في شهر ربيع، فإن الشيء بالشيء يذكر، فإذا جاءت المناسبة التاريخية جدد التاريخ ذكراه وجعل النفس تسأل عن مناسبة الذكرى سعادة كانت أو غيرها، وهو ما تواضعت عليه الأمم في كل عصر ومِصر، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يتذكر نعمة الله تعالى بالوجود فيصوم يوم مولده، ويتذكر نعمة الله تعالى على أخيه موسى كليم الله بالنجاة وهلاك عدوه فيصوم يوم عاشوراء، والأمم تتذكر أيام مناسباتها العظيمة فتحييها بما يناسبها، فكانت الذكرى تعيد نفسها، وكما قال البحتري:

مر َّ الصبا عفواً على ساكني الغَضا ... وفي أضلعي نيرانُه تَتسعَّرُ

فتذكرني عهد العقيق وأدمعي ... تساقطه والشيءُ بالشيء يذكرُ

«ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ليست ربيعاً كله ولا اثني عشر منه فقط، إنها ذكرى متجددة بتجدد الأنفاس».

إن ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ليست ربيعاً كله ولا اثني عشر منه فقط، إنها ذكرى متجددة بتجدد الأنفاس، ولا ينفك المؤمن أن يذكره في يومه وليلته مرات وكرات، فهو يخاطبه في صلاته، ويصلي ويسلم عليه في كل أوقاته، ويقدمه في جميع أحواله وخطراته، فهو محتفٍ به في كل ذلك؛ لأنه لم يغفل عنه، كيف لا وهو الذي هداه من الضلال، واستنار به من بعد الظلام، وعرف الله به، فكان لله عبداً، وبشرعه عاملاً، وله محباً، فهو منة الله عليه، والدال عليه، ولذلك كانت محبته مقدمة على النفس والمال والولد، ومهما كان التعبير عن المحبة ما دامت في حدود الشرع فهي مقبولة، ولا شك أن التعبير بقراءة سيرته وشمائله والتمدح بالشعر الذي كان يحبه والثناء الذي كان يعجبه، والصلاة والسلام عليه، هو جزء من مظاهر محبته، ولذلك فإن أمته، وهي أمة خير وهدى، تقيم مثل هذه المظاهر المعبرة، المفعمة بالمحبة دائماً، وفي مناسبات متعددة، وإن كانت في ربيع الأول أكثر من غيره، والتعبير قد يقصر عن مكنون المحبة. كما أن مثل هذا التعبير يحمل النفس أولاً على شدة التمسك بسنته، والتعلق بجنابه، والتأسي بأحواله، وكثرة الصلاة والسلام عليه، ويربي النشء، وهم في خضمِّ الحياة وأشغالها وملاهيها، على التعلق بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فيتعرفون عليه من خلال الوصف والذكر، ويلهجون بالصلاة والسلام عليه، ويتربون على الاستقامة والطاعة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

تويتر