5 دقائق

يوم الشكر

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

شكرُ الله تعالى على نعمائه من أجلِّ العبادات وأقرب القربات، ولذلك لم يُعفِ اللهُ تعالى منه أحداً من عباده الذين خلقهم لمعرفته وعبادته، فيقول مثلاً لآل داود الذين سخر لهم الكون كله: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾، ويقول لعبده الصالح لقمان الذي مَلَّكه الأرض كلها:﴿أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾، ويقول لعموم الناس الذين أنعم عليهم بالإيجاد وأمدهم بنعم الإمداد ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾، وهو خطاب لكل آدمي على انفراد، فدل على أنه لا يُعذر أحد عن أداء واجب النعم، وما ذلك إلا لأن الشكر اعترافٌ من الشاكر للمشكور بأياديه عليه، فيُعجب المشكور ذلك، ويزيده من نَعمائه، لأنه أهل لها.

«يوم الاتحاد الإماراتي من هذه الأيام العظام التي مَنَّ الله تعالى بها على هذه الأمة التي اجتمعت على كلمة سواء».

وقد سنَّ النبي، صلى الله عليه وسلم، الشكر عند تجدد تذكر النعم، حيث صام يوم أن نجَّى الله تعالى أخاه موسى من فرعون وقومه، وأهلك عدوه، وكان يتذكر يوم مولده فيصومه شكراً لله تعالى على نعمة وجوده، فدل على أن أيام النعم حقها أن تذكر ولا تنسى، ويشكر مُسديها ولا يعصى.

ويوم الاتحاد الإماراتي من هذه الأيام العظام التي مَنَّ الله تعالى بها على هذه الأمة التي اجتمعت على كلمة سواء، وأشادت دولة واحدة، بكيان واحد، فأصبحت ذات شأن وشأو، وقول وفعل، ما كان لها أن تكون كذلك لولا اجتماعها واتحادها واعتصامها بحبل الله المتين وشرعه القويم.

تتجدد ذكرى ذلك اليوم، الثاني من ديسمبر عام 1971م، ويتجدد معه شكر الله تعالى الذي وفق وهدى، وأعان وأسدى، وفق حكام الإمارات المتصالحة لينشئوا إمارات متحدة متكاملة متعاونة مترابطة، تحت زعامة واحدة وراية واحدة ودستور واحد وجيش واحد وكيان واحد وهدف واحد.

وها هي الذكرى 43 تأتي هذه السنة وقد ازدادت النعم حتى يعجز اللسان والبنان والبيان عن إحصائها، فليس بوسع أحد من أهلها إلا أن يزداد شكراً لله تعالى، وشكراً لمن أنشأ ومن حافظ ومن رعى ومن واصل المسير نحو ترسيخ هذا الطود الشامخ بزيادة تثبيت دعائمه الشرعية والأمنية والتنموية والحضارية.

يعبر الناس عن شكرهم بالفرح والسرور، وهذا أمر محمود كما يشير إليه قول الحق:

﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ ويتعين أن يكون مع هذا الفرح شكر الله تعالى باللسان ثناءً، والجنان اغتباطاً، والعمل توطيداً لهذه النعمة، كلٌّ بما أوتي من حيلة وقوة، فإن هذا الشكر هو قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المقصودة.

فلنكثر من هذا الشكر بأنواعه، ولنثنِ ولنترحم على مؤسسي هذه النعمة، وحماتها من بعدهم فإنه لا يتحقق شكر الله تعالى إلا بذلك.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر