مزاح.. ورماح

صحّان أزرقان..!

أحمد حسن الزعبي

لو يعود «أبوقرص» يوماً لأخبره بما فعل «الواتس أب».

** في ثمانينات القرن الماضي كنّا أكثر صدقاً مع أن وسائل الاتصال كانت تساعدنا على الكذب، الآن صرنا أكثر كذباً مع أن وسائل الاتصال تحاصرنا حتى في رمشة العين.. جهاز التليفون الأرضي ذلك الوادع الودود مثل «رب الأسرة» كان يختلق الأعذار عنا حتى لو لم نحتج إليها، يعني عندما تريد أن تتهرب من قريب أو صديق أو شخص «ثقيل دم».. تترك التليفون يرن دون أن ترفع السماعة، أو تسحب السلك فيبدو كأنه يرن «من قلب ورب»، وعندما يصادفك الآخر معاتباً «يا أخي رنيت تا تعبت»، فأسهل جواب منطقي وقابل للتصديق هو: «صدقني ما سمعته»! بقي الحال مطمئناً حتى ظهور كاشف الرقم، وهذا يشبه مهمة الوالدة، «يعرف أسرارك ولا يبوح بها لغيرك»، حتى مع هذا التطور الطفيف «الكاشف» بقي الكذب متاحاً.. فعبارة «صدقني ما عندي كاشف»! كانت كفيلة بأن تعفيك من العتاب.. ظهر بعد ذلك «البيجر» ذلك الجهاز المعلق على «الخصور» أو في جيوب الملابس.. ميزة هذا الجهاز أنه «سكرتير خلوق»، يعني يخبرك من قام بالاتصال بك لكن دون أن يحرجك بضرورة الاتصال به من جديد.. وعبارة «صدقني مش شايل البيجر» كانت أيضاً مخرجاً ملائماً للكذب.. ظهر «الموبايل» بعدها.. والموبايل مثل «الابن آخر العنقود»، يفتح الباب لكل طارق ولا يعنيه على الإطلاق اختلاق الأعذار عنك، ومع انتشار الموبايل حوصرت الأعذار وتحوّرت عبارات التملّص.. فبدلاً من الجمل المتداولة التالية: «صدقني ما سمعته.. ما كنت بالبيت.. مش حامله».. بدأت تقول: «ما شفت الرقم إلا بعد نص الليل».. «كنت بدي أرن عليك وانشغلت».. «دخلت المسجد وظل ع الصامت»، وهكذا.. مع أنها أجوبة غير مقنعة إلا أن المتلقي كان يتجاوز عنها واضعاً احتمالاً طفيفاً لحسن النية.. ظهر تطبيق الـ«واتس أب»، فهو مثل زوجة لحوحة أو مخبر مهمته «صفق التقارير».. مع وجود هذا «المخبر» لم يعد هناك مبرر مقنع لعدم الرد أو الإجابة: بالبداية كان يعطيك إشارة لصحّين رماديين، أي أن الرسالة أرسلت.. ثم صار يعطيك «آخر ظهور»، لتبدأ المقارنة الشفوية إن كان ظهوره بعد رسالتك أو قبلها.. ثم صار يخبرك إن كان «متصلاً» في هذه اللحظة أم لا.. تبعها آخر تحديث للتطبيق، حيث بات يعطي المرسل إشارة «الصحين» الأزرقين، أي أن المستقبل وصلته رسالتك وقرأها ومتصل الآن، ومع ذلك: «مطنشك ولا يريد أن يرد عليك».

** في السابق كانوا يقولون: التمس لأخيك عذراً.. اي هي التكنولوجيا خلتنا نلتمس ولا نحسس حتى!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر