مزاح.. ورماح

مخدرات بالعربي!

أحمد حسن الزعبي

أصبحت التكنولوجيا مثل الأدوية المزمنة، نجبر على تناولها كي نبقى على قيد الحياة، لكن المفزع في الموضوع أنه كلما تطوّر العلم زادت آثاره الجانبية التي تظهر على شكل «طفح» في المجتمع، أو سموم تسري تحت الجلد.

أحدث صرخات الشيطنة التي توصّل إليها البشر في الإدمان هو سماع جرعات موسيقية صاخبة تعظم نشوة التعاطي عند الشباب، وتشبه تماماً ما تقوم به المخدرات الكيميائية أو الحشيش.. تشعر المستمع بالانفصام عن الواقع، إما بالسعادة أو بالهلوسة، وقد تؤدي به إلى الوفاة إن رفع «الدوز» قليلاً.. تعمل المخدرات الموسيقية في المخ من خلال إصدار موجات كهرومغناطيسية، لا يشعر بها الإنسان لكنها تصل إلى خلايا الدماغ وتحفز هرمون السعادة على الإفراز، وتالياً الاسترخاء و«التسطيل» الإلكتروني.

لا إبر ولا حبوب ولا استنشاق ولا «بودرة».. ولا هيئة مكافحة المخدرات، ولا هيئة أمر بالمعروف، ولا كبسة من قبل الوالدين، ولا مضبوطات، ولا تهم، كل ما في الأمر أن يضع الشاب سماعات في أذنيه ويستمع لموسيقى صاخبة غير منتظمة تشتت عمل العقل، فيتعب «فوق ما هو تعبان» ويتخدّر من جديد.

شخصياً أرى أن المخدّرات الرقمية ليست جديدة علينا كعرب، فمنذ دخول أول وحدة صهيونية مسلحة أول حقل زيتون فلسطيني ونحن نتعاطى المخدرات الرقمية.. طالبوا بالانسحاب إلى حدود 1948 فامتلأت الخطابات العربية بالـ48، وصعد الزعماء ظهور الدبابات وهم يرتدون ملابسهم العسكرية، مهددين متوعّدين العصابات الصهيونية أن الأرض عائدة، وأن فلسطين ستمدد رجليها في البحر كما كانت قبل الـ48.. فتخدّرت شعوب الوطن العربي على رقم 48، وانتظرت الوعد حتى يتحقق، فقضمت «إسرائيل» سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان عام 67.. فامتلأت الخطابات العربية بالـ67.. والتهى المحللون السياسيون بأسباب خسارة حرب الستة أيام، وصعد الزعماء العرب وهم يرتدون ملابسهم العسكرية على ظهور الدبابات مهددين متوعدين «الكيان»، وأن الأرض العربية المغتصبة ستعود إلى الدول المسلوبة كما كانت قبل حزيران الـ67.. فتخدّرت الشعوب العربية رقمياً من الـ67، وانتظرت الوعود من جديد.. لتدخل بمخدّرات رقمية جديدة.. مثل قرارات الأمم المتحدة (194، 242، 338) أوسلو 1993.. وغيرها.

ختاماً: هناك فرق بين المخدرات الرقمية «الشبابية» والمخدرات الرقمية «السياسية»؛ في الأولى يخسر الشاب بدنه.. لكن في الثانية يخسر الشعب وطنه.

وما أصعب خسران الوطن.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر