5 دقائق

ازرع حباً.. واحصد ما تريد

خالد الكمدة

«أشعر بالضيق، لكن لا وقت عندي للمجلس، عليَّ أن أذهب إلى المكتب»، «لا أستطيع البقاء طويلاً في المنزل مع الأطفال، يجب أن أنهي بعض الاجتماعات»، «لن أتمكن من زيارة منزل العائلة يوم الجمعة، عليَّ أن أراجع الحسابات»، ليس لديه وقت لأي أحد، ولا مساحة في ذهنه لشيء غير مشكلاته وطموحه، وهو بائس.. هذه قصة أبوراشد وقصة الكثيرين مثله.

هكذا صار الانسلاخ الطوعي من الأنانية، والالتحام في احتياجات الآخر الروحية والنفسية والمادية، وصفة مجربة لعلاج الحزن واليأس.

تذكرت، وأنا أفكر فيه، حكاية رجل ممن لا يحسنون التوفيق بين الحلم وتحقيقه، وقع في مشكلات خطرة، ورّط فيها آخرين، وأضر بأناس ما كان يريد أن يؤذيهم. وعندما تملكه اليأس، وبينما كانت فكرة الانتحار تدور في رأسه، مر ببيت خرب، فقال في نفسه «هذا البيت هو أنا»، وفي هذه اللحظة انتابته رغبة عنيفة في إعادة بناء هذا البيت. سأل عن صاحبه، وعرض عليه خدماته، وقبل مالك البيت دون أن يفهم السبب، وذهب مع الرجل واشترى الخشب، وعمل الرجل بحب، لم يعرف حب ماذا ولماذا أو حب من، لكن حياته كانت تتحسن مع كل تقدم يحرزه في إصلاح البيت، بعد سنة صار البيت جاهزاً، ومشكلاته محلولة، هكذا صار الانسلاخ الطوعي من الأنانية، والالتحام في احتياجات الآخر الروحية والنفسية والمادية، وصفة مجرّبة لعلاج الحزن واليأس. في الحديث الشريف: «أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس»، وفي الثقافة الصينية: «يلتصق أريج الزهرة باليد التي تقدمها»، وفي أشعار بايرون أن السعادة ولدت توأماً، ولهذا لا يمكن الشعور بها دون منحها.

أن تطارد طموحك وتعمل لتحقيق ذاتك، لا يعني أن تضيع البوصلة، فأنت ناجحاً كنت أم فاشلاً، غير قابل للتقييم في غياب الآخرين، لمعانُ النجم لا يعرف إلا بانعكاسه على الكواكب، وحب الشمس للأقمار ينشر ضياءها. لتصل إلى ما يطاردك من أحلام لا يكفيك أن تحبها، والآخرون ليسوا جمهور مصفقين لإنجازاتك، بل مرآة كاشفة للحقيقة والوهم، انعكاس لصفاء أهدافك أو كدرها، عليك أن تزرع الحب أينما حللت، وأن تعطي السعادة أينما وجدت قبل أن تطلب حصادك.

لتكون كما تحب عليك أولاً أن تحب، أن تمنح مساحات أكبر من روحك لإدراك من حولك لتلبية طموحاتهم، لتبديد همومهم، لتسكين جراحهم، ولنشر عبق المودة في زوايا حياتهم الخاوية. لتعلو في سماء نجاحاتك بخفة ورشاقة، عليك أن تداوي الأجنحة المتكسرة، وتصلح ما خرب من أعشاش.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر