أبواب

شهقة الحياة

خليل قنديل

جميعنا يهجس برغبة الإمساك بالحياة من تلابيبها، وجرجرتها في الأزقة والطرقات، كما كنّا نفعل في مطلع فتوتنا الغابرة بالقوة ذاتها، وبتلك الأذرع التي حرقتها شمس الظهيرة، ولوّحتها بذاك اللون الجمري الذي يعكس لون التحدي في البشرة.

جميعنا يود لو يسترد أوراق اعتماده من الحياة، كي يسترد شغبه الحياتي من جديد، ويقف أمامها معانداً لا يلوي على شيء سوى التحدي ومدّ اللسان الصغير في وجه الحياة مماحكاً ومتحدياً كما يليق بفتى تسلم درع رجولته للتو، كي يقفز في الهواء تلك القفزة المشاغبة التي لا تدلل إلا على الفتوة واعتلاء صهوة الحياة.

جميعنا يودّ لو استطاع تأثيث البيت من جديد، بالأمهات والعمّات والخالات والإخوة الأشقياء الذين كانوا يهدهدون الحياة حتى تذهب في النعاس والنوم، والجلوس عند بوابة البيت في انتظار إطلالة الصباح لمعاودة فعل الشغب من جديد!

علينا أن نتخلص من الارتجافة القهرية في الأصابع، ومن الهزة القهرية للرأس، ومن ارتجاف الذاكرة وفشلها السريع في الإمساك بصلابة التذكر.

جميعنا يرغب في إعادة ممارسة اللعبة من جديد، واقتياد الحياة نحو ينابيعها الأولى، وصفعها برجولة غابت عنا كثيراً، وأغرقتنا في هذا الخنوع العمْري الذي يبدو أنه سيقيم في أعماقنا طويلاً. فمن يدري لعلنا سنتمكن من إعادة بث الرجولة في أطرافنا كما يليق بنا!

جميعنا يود لو يسترد تلك البحة التي هي أقرب للزئير، ويهرس تحت قدميه هذه البحة الجبانة في الصوت، التي لا تتوسل إلا حالة الستر وعدم مناكفة الحياة، جميعنا يود لو يستطيع استرداد الحياة ذاتها، تلك التي غافلتنا وغابت واختفت تاركة إيانا نتوسل حضور تلك الرجولة.

جميعنا يود لو استطاع تأثيث البيت من جديد، بالأمهات والعمّات والخالات والإخوة الأشقياء الذين كانوا يهدهدون الحياة حتى تذهب في النعاس والنوم، والجلوس عند بوابة البيت في انتظار إطلالة الصباح لمعاودة فعل الشغب من جديد!

جميعنا يرغب في استرداد شيطنته الشبابية، لكن ما من سبيل إلى تلك القامة العمرية الفذة وسط قافلة الأمراض التي تصطف خلف العمر المشجر بالهموم والطعنات،

جميعنا يحلم بتأثيث الرجولة في أرواحنا من جديد.

نعم، علينا أن نتخلص من الارتجافة القهرية في الأصابع، ومن الهزة القهرية للرأس، ومن ارتجاف الذاكرة وفشلها السريع في الإمساك بصلابة التذكر، ومن سماكة الدهنيات التي تحيط بوريد القلب وقهر الضغط الذي يقودنا في كل صباح إلى توقع الجلطات والشلل!

جميعنا يلهث خلف رغبة عاتية في استرداد الحياة التي سرقت منّا في ضجة العمر وتسارع خطواته، لكننا نظل نركض في صحراء اليباس، ولا نقوى على تجاوز أسوار الحلم.

وتلكم هي المأساة..

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر