قراءة في كتاب

لعلماء أهل الأندلس نفَس خاص في مؤلفاتهم، فالكتابة الجميلة، والأسلوب الأدبي الرفيع، والبلاغة القوية، سمات بارزة لمؤلفاتهم، ومن هؤلاء ابن حزم الأندلسي في كتابه الجميل: «الأخلاق والسير».

وأثناء قراءتي كتاب ابن حزم، وقفت على بعض العبارات البديعة فيه، وقد ذكر ابن حزم أن كتابه هذا عبارة عن خلاصة تجاربه في الحياة، وقد كتبه وهو يرجو «من الله تعالى في ذلك أعظم الأجر، لنيتي في نفع عباده، وإصلاح ما فسد من أخلاقهم، ومداواة علل نفوسهم»، فالمقصود من الكتاب توجيه رسالة إلى الناس لتقويم الأخلاق وتهذيبها، مع التنبيه إلى أن ابن حزم أدرك زمن الفتن وعصر الدويلات والطوائف بالأندلس، فتذكير الناس بحسن الخلق في زمن الفتن أمر درج عليه العلماء، وفي كتاب «الأخلاق والسير»، تذكير بعلو الهمة، فالهمة العالية سبب بعد توفيق الله للترفع عن الرذائل والنقائص، فيقول ابن حزم: «لا تبذل نفسك إلا في ما هو أعلى منها»، وحذر ابن حزم من الإصغاء الدائم إلى كلام الناس، فهم قد يتكلمون على المحسن، ويثنون على المقصر! لذلك يقول: «من قدر أنه يسلم من طعن الناس وعيبهم فهو مجنون»، وهذه كلمة رائعة لو انتبه لها الناس لارتاحوا من شر عظيم، وذكر ابن حزم قاعدة جميلة في التعامل مع الناس، هي: «انظر في المال والحال والصحة إلى من هو دونك، وانظر في الدين والعلم والفضائل إلى من فوقك»، ويحثّ ابن حزم على العلم والتعلم، فيقول: «لو لم يكن من فضل العلم إلا أن الجهال يهابونك ويجلّونك، وأن العلماء يحبونك ويكرمونك، لكان ذلك سبباً إلى وجوب طلبه، فكيف بسائر فضائله في الدنيا والآخرة ؟!»، فأي أمة تريد التقدم على سائر الأمم فعليها بالعلم والتعلم.

ويحذّر من البخل بالعلم، فيقول: «الباخل بالعلم ألأم من الباخل بالمال، لأن الباخل بالمال أشفق من فناء ما بيده، والباخل بالعلم بخل بما لا يفنى على النفقة ولا يفارقه مع البذل»، ويحض ابن حزم على ترك المفاخرة والتواضع للناس، فيقول: «كم رأينا من فاخر بما عنده من المتاع كان ذلك سبباً لهلاكه، فإياك وهذا الباب الذي هو ضرّ محض لا نفع فيه أصلاً»، ومن جميل كلامه، رحمه الله: «كم شاهدنا ممن أهلكه كلامه، ولم نر قط أحداً ولا بلغنا أنه أهلكه سكوته، فلا تتكلم إلا بما يقربك من خالقك»، والكتاب فوائده جمة وقراءته ممتعة، فرحم الله ابن حزم، وغفر له.

مدير مشروع مكتوم لتحفيظ القرآن الكريم بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

@alkamali11

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .