كل يوم

من الفئران إلى الاحتراق بالنيران!

سامي الريامي

خلال شهر أغسطس الماضي، نشرت الصحف المحلية خبراً عن سيطرة آليات وفرق إدارة الدفاع المدني في دبي، على حريق نشب في أحد مستودعات الورق بمنطقة جبل علي، من دون وقوع أي خسائر بشرية.

خبر عادي مرّ مرور الكرام على الجميع لأنه ليس فيه ما يلفت، فحرائق المستودعات ليست حدثاً استثنائياً، خصوصاً أن رجال الدفاع المدني سيطروا على الحريق، ولكن لن يتوقع أكثر المتشائمين أن هذا الحريق تسبب في مشكلة كبيرة، وفتح كثير من التساؤلات التي مازالت دون إجابة، لأن محتويات المستودع احترقت بالكامل، فهي عبارة عن ورق!

سابقاً كانت الوثائق والملفات ترمى في مخازن المؤسسات والجهات الرسمية حتى تقرضها الفئران، والآن ترمى في مستودعات الشركات الخاصة لتصبح عرضة للنيران.

قد يقول قائل، وما المشكلة في احتراق «شوية ورق»؟! بالتأكيد لن تكون هناك مشكلة، سوى خسائر مالية محدودة، إن كان هذا فعلاً مستودعاً للورق، ولكنها مشكلة أشبه بكارثة إن كان هذا الورق مهماً، وهذا فعلاً ما حدث، المستودع كان مقراً لتخزين وثائق ترجع إلى نحو 18 جهة حكومية، جميعها اتجهت للقطاع الخاص لتخزين الوثائق، والنتيجة رميها في مستودع بمنطقة صناعية لا يتمتع بأي مواصفات للسلامة، ولا توجد فيه أي معايير لحفظ هذه الوثائق، على الرغم من الضمانات التي قدمتها الشركة المعنية للجهات الرسمية، بتوفير الحماية اللازمة للوثائق المهمة المخزّنة لديها، ومن ثم أتت النيران على جميع هذه الوثائق!

طبعاً لا نعرف بالتحديد حجم الكارثة، لعدم توافر المعلومات حول نوعية هذه الوثائق والأوراق والملفات الموجودة في المستودع، لكن بشكل عام هناك رائحة مشكلة كبيرة، بسبب عدم الالتزام بالتعليمات والمعايير اللازمة لسلامة المستودعات من قبل الشركة صاحبة المستودع، إضافة إلى عدم الالتزام بنصائح «الأرشيف الوطني»، الذي زار هذه المستودعات في وقت لاحق، وقدم تقارير مكتوبة للجهات الحكومية، تقضي بضرورة نقل هذه الوثائق من المستودعات، لأنها غير مستوفية المعايير المنصوص عليها في القانون، وبالطبع لم تستجب هذه الجهات حتى حدثت الكارثة، مع العلم أن القانون الاتحادي رقم «1» لسنة 2008، بشأن الأرشيف الوطني، المعدل بالقانون الاتحادي رقم «1» لسنة 2014، يؤكد «مسؤولية كل جهة حكومية في ما يتعلق بحماية وثائقها، مادامت هذه الوثائق في عهدتها، وضرورة حفظها في أفضل الظروف، وتوفير المقاييس لذلك، والمبينة بالتفصيل في اللائحة التنفيذية للقانون»، ولا أعرف شخصياً إن كان القانون وضع عقوبات على الجهات التي لا تلتزم بتنفيذ هذه المادة أم لا، لأن عدم التزام 18 جهة حكومية بهذا القانون يثير الاستغراب والدهشة!

كثيرون يعتقدون أن التكنولوجيا حلّت محل الأوراق والوثائق، وبمجرد حفظ الأصول في وسائط إلكترونية، فإنهم يتجهون إلى إهمال أصل هذه الوثائق، وربما إتلافها، متناسين حقائق مهمة، وهي أن للوثيقة الأصلية قيمة قانونية وتراثية لا تتوافر في نظيرتها الإلكترونية، إضافة إلى خطورة فقدها إلكترونياً لأي سبب من أسباب التقنية، وخطورة تسرب المعلومات، ما يجعل المشكلة أكثر تعقيداً، لذا لابد من الاهتمام بحفظ الوثائق بطريقة مناسبة، والالتزام بنص القانون المعني بهذا الأمر.

سابقاً كانت الوثائق والملفات ترمى في مخازن المؤسسات والجهات الرسمية حتى تقرضها الفئران، والآن ترمى في مستودعات الشركات الخاصة لتصبح عرضة للنيران، فمتى تدرك الجهات أهمية الحفاظ على هذه الوثائق الورقية؟!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر