5 دقائق

أدعياء الدفاع عن الإسلام

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لاتزال تسمع من يغررك بهرجُه، وهو يهرف بما لا يعرف، فما أن تسمعه حتى يصم أذنَك قولُه، أولئك هم الذين نصَّبوا أنفسهم حماة للدين، وسموا أنفسهم متنورين، فعمدوا إلى ثوابت الإسلام، ورجاله العظام، وكتبه الضخام فنالوا من كل ذلك نيلاً عظيماً، وإن أحسنا الظن بهم، كما هو هدي الإسلام، فنقول: إنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ولا يدرون أنهم يفسدون ولا يصلحون، وأن ما يأتون به من خزعبلات الفكر ليس إلا أضغاث أحلام، فثوابت الإسلام ورجاله العظام وكتبه الضخام، لا تنال بفضل الله تعالى بسوء، فقد تكفل الله بحفظ الإسلام، ومن لوازم حفظه حفظُ أهله ومصادره، وقد قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ فقال: «يعيش لها الجهابذة»، وتلا قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، يعني أن الله يحفظ دينه بحفظ رجاله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لاتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم»،

إنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ولا يدرون أنهم يفسدون ولا يصلحون.

أقول هذا والألم يعتصرني ممن سمعتهم يتطاولون على إمام الأئمة محمد بن إسماعيل البخاري، وصحيحه الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، حيث عمدوا إلى متشابهات الرواية، أو التي لم توافق أهواءهم، فجعلوها غرضاً يرمون بها الكتاب والإمام، ويظنون أنهم قد أتوا بما لم يأتِ به الجهابذة الأوائل؛ من الشراح والمستخرجين والمتابعين والمعلقين والمستدركين والمعلِّلين، وهم من الكثرة بمكان، قد يخفون على أولئك المتطاولين المتطفلين؛ لعدم عنايتهم بالصناعة الحديثية، فضلاً عن أن يكونوا من أهلها حتى يعقبوا ويستدركوا، وهم في الحقيقة مشاغبون، يودون الظهور على حساب دينهم وأمتهم، ما يجعل الرائي لا يشك أنهم أداة بأيدي غيرهم، ليحققوا من خلالهم الصدَّ عن هذا الدين القيم، أو تشكيك أهله ليسهل بعد ذلك زرع الفتن فيهم، وإقلاق سكينتهم ووشيج اجتماعهم.

ولو أنهم كانوا راغبين في الإفادة لعادوا لمن سبقهم ممن عُنوا بالصحيحين خصوصاً، فنظروا نقدهم، وأفادوا من كلامهم ثم ينقلونه للناس، لكنهم تجاوزوا كل ذلك ليستفزِّوا مشاعر المسلمين عموماً، وأهل السنة خصوصاً، وأهل العلم وطلابه بأخص الخصوص، والحقيقة أن النماذج التي يدندنون ويُشنْشِنون حولها ليس فيها أي غضاضة على البخاري ولا على صحيحه، لا على أنه معصوم، بل لأنه مخدوم خدمة فائقة، أتت على مثل تلك التي يرون فيها مآخذ، فبينت أن ذلك إنما يكون من قاصري النظر، وبعيدي الأثر، ولو ردوه إلى أولي العلم لعلموا الحق، وأدركوا الفضل، وعرفوه لأهله، ولكن أكثرهم لا يعلمون.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر