مزاح.. ورماح

«تاج الوقار..!»

عبدالله الشويخ

حينما يدخل عليك ابنك بشهادة «حفظ جزء» فلا شك في أن طعم السعادة في داخلك يختلف حينما يدخل بغيرها من الشهادات.. فقليلة هي الشهادات التي تطمئن معها إلى مستقبله في الحياتين.. وقليلة هي الأمور التي تجعلنا نعلو قليلاً عن دنية «الدنيا»! شهادات حفظ أجزاء القرآن الكريم التي تمنحها الجهات المسؤولة عن مراكز التحفيظ في الدولة هي أيضاً من البقية القليلة من آثار الزمن الجميل، تماماً مثل طعم الحلوى التي كان يوزعها علينا إمام المسجد قبل أن يزجره أحدهم بأنها بدعة.. ومثل رائحة المسك التي كان يبيعها الخان بعد الصلوات في باحة مسجدنا قبل أن يطرده آخر.. ومثل ملمس سجادة جدتي في مصلاها الصغير.. قبل أن تنتقل إلى دار أخرى.. وللأبد!

حينما يدخل ابنك عليك بشهادة «حفظ جزء» من القرآن الكريم وهو ينظر إليك تلك النظرة التي يحاول أن يقول لك فيها: أنا لست بهذا السوء يا أبي.. وهو لا يعلم أنك تحسب الأيام خوفاً من اليوم الذي يكتشف فيه أن من يخشى نظرته إليه لا يمثل سوى أسوأ قدوة ونموذج يتمناه شخص لابنه.. ولكنه يداري على أسراره لعل الله يكتب أن يكتمل عقل الفتى قبل أن يفهم أنه لا مكان للكمال في هذا العالم، ولا وجود للمثالية حتى ولو كانت في صورة أب!

حينما يدخل ابنك عليك تحاول قراءة تلك الجمل الجميلة التي كادت تُنسى في فضاء الدين الجديد الذي يبشر به تجار الدين.. تقرأ في الشهادة «المؤسسة إذ تمنح هذه الشهادة فإنها تتمنى لكم حياة طيبة وتوصيكم بتقوى الله وبالعمل بما حفظتم».. حينما تقرأها فأنت تتخيل جوهرة جديدة تضاف إلى تاج كم تتمنى أن تلبسه..

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب..

شكراً وصلاة على حبيب الله ونبيه الذي أوصله إلينا..

وشكراً لأصحابه أبطال صدر الإسلام الذين ركبوا الصعاب كي يؤسسوا لنا حضارة.. شكراً لمن جمع.. شكراً لمن كتب.. شكراً لمن فسر.. شكراً لمن نشر..

شكراً لمؤسسات القرآن الكريم ومن أسسها أو دعمها.. شكراً لحلقات التحفيظ والقائمين عليها.. شكراً لجميع المعلمين الذين يضحون بأجمل فترات نوم الظهيرة..

شكراً لكل من بنى مسجداً لأبنائنا..

وشكراً لوطن يتحمل الكثير من الإساءات وسوء الظن.. كي يبقى آمناً مطمئناً.. يحفظ أبناؤنا كتاب الله في ظله، آمنين دون خوف من قاتل باسمه.. أو حامل له على رماح الأهواء!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر