5 دقائق

هموم التربية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يستهل العام الدراسي لأولادنا، ويحمل في طياته كثيراً من الأمل لنا ولهم، فنحن نؤمل أن يتعلموا ليتحلَّوا بأهم سمة إنسانية وأسماها، وهي سمة العلم التي ترقيهم في دنياهم وأخراهم، ويكونوا فاعلين غير عاطلين، ومفيدين غير مضرين، وفوق ذلك أن يكونوا لنا ذخراً في حياتنا وبعد مماتنا، وهم يؤملون أن يكونوا نوابغ العصر في العلوم والمعارف ليفيدوا المجتمع والأمة، وليعيشوا في ظل شرف العلم والمعرفة المتطورة، والحكومة التي تبذل الكثير من أجل تنشئتهم نشأة علمية تأمل أن تبني بهم وطناً وتشيد بهم حضارة.

«إنها أمنية التربية التي نود أن ينهل منها أبناؤنا ويعِلّوا، عَللاً بعد نهل، بحيث يتضلعون منها في المدرسة والمنهج».

وهكذا الأمنيات تتوالى من التعليم، وهي أمنيات سامية، لمقامات عالية، وينبغي أن نضيف إلى هذه الأمنيات أمنية واحدة ستكون قرة أعين لنا بهم، وسعادة لهم في معاشهم ومعادهم؛ إنها أمنية التربية التي نود أن ينهلوا منها ويعِلّوا، عَللاً بعد نهل، بحيث يتضلعون منها في المدرسة وفي المنهج؛ من المدرس ومن الكتاب ومن الزملاء، وقبل ذلك من البيت.

فكيف لنا أن نجعل التربية هدفاً أساسياً قبل التعليم كما هو شعار وزارتنا ومدارسنا وخطة تعليمنا؟ الطريق إلى ذلك سهل يسير ويغفل عنه الكثير، إنه القدوة والتلقين.

أما القدوة فأن يكون أصحاب هذا الهم جميعاً متحلين بتلك التربية التي ننشدها في الأبناء؛ معرفة الله، محبة لرسول الله، محبة للمؤمنين، صدقاً في القول، طيباً في الكلام، إخلاصاً في العمل، محبة للغير، عطاءً للمحروم، إحساناً للجار والقريب والبعيد.

وأما التلقين فأن تكون المناهج مفعمة بالإيمانيات والأخلاقيات والعبر والعظات، وما يترتب على كل ذلك من المثوبات، وما يتبوؤه ذوو الآداب من المكانات العاليات، وعندئذ سينشأ الطلاب على تلك الشية من المكارم التربوية، والأخلاق المصطفوية، وستقر الأعين بهم في الحياة وبعد الوفاة.

فلا نُغيِّب التربية إذاً عن همومنا، فإنها قسيم التعليم، فإن لم نسعَ لتحقيقها لم ندرك مرادنا منهم وهم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرة أعيننا، بهم نصول عَلَى أعدائنا، وهم الخلف منا لمن بعدنا.

وقد قص الله تعالى لنا نبأ لقمان مع ابنه، فقد جعل تربيته همَّه الأول، فكان له ما أراد من سلوة الفؤاد، وقرة عين في المعاش والمعاد، وهذا ما كلفنا الله تعالى به على وجه الخصوص: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}، لأن التربية هي رائدة التعليم وسياجه من أن يكون وبالاً عليه وعلى مجتمعه، وما الفتنُ المحدقة المشاهدة إلا نتيجة غياب التربية الصالحة عن التعليم.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر