5 دقائق

كن لي سكناً

خالد الكمدة

عندما كنا صغاراً كانت جدتي تقول «يا ولدي وجع العقل أصعب من وجع الجسم»، ولم ندرك ببراءة الأطفال كيف يمكن لأشياء غير محسوسة أن تؤلم، وبشكل يفوق خدوش أطرافنا التي لا يدع لها اللعب مجالاً لتندمل. عندما غزتنا الهموم واستباح القلق عقولنا وبات الجزع زائراً ثقيل الظل يفترش لنفسه زاوية في كل قلب متى أراد، أدركنا تالياً ما قالته جدتي.

تدخل الصيدلية وتحدق في كل الرفوف على غير هدى، دواؤك ليس هنا ولم يصنع، لا تنتجه المعامل ولم تُزرع عشبته العجيبة بعد، تأخذ كيساً كبيراً من المسكنات والمكملات علّها تدخل السكينة إلى قلبك، ولكن للسكينة مفاتيح أخرى لمّا تصنعها شركات الدواء العتيدة ولا تعرف تركيبها مختبرات «فايزر» ولا «أبوت».

«اختلطت المفاهيم وضل عن شبابنا جوهر الزواج الناجح، ضاعت الأهداف في بحثهم عن الوسائل وبات الزواج غاية في حد ذاته».

لم تَكتب وصفات الأطباء علاجاً ناجعاً للسكينة، ومنحتك الحياة روحاً تُسَكّن قلبك وتسكن إليها، باباً تضع على أعتابه أحمالك وتتزود من مودته ورحمته بطاقة تعينك على خطوب الدهر، هكذا هو الزواج فهل عرفت كيف تجد فيه ضالتك؟

اختلطت المفاهيم وضل عن شبابنا جوهر الزواج الناجح، ضاعت الأهداف في بحثهم عن الوسائل وبات الزواج غاية في حد ذاته، حتى إذا أُغلق على الزوجين بابهما وانتهت معاناتهما لتحقيق هذه الغاية تحولت الشراكة المقدسة إلى ساحة للحرب، يحتسب كل منهما فيها خسائره وأرباحه ويتربص لاقتناص فرصه وأخطاء شريكه، يعيش الكثير علاقات زوجية بلا أسس، تصبح نمطية في أحسن الأحوال، يهرب البعض إلى الأصدقاء، وتُحمل الأكثرية تعاستها وفشلها وكبتها للشريك ولزواج لم يدركوا معناه ولا وضعوا له القواعد.

الزواج مؤسسة، ومنحة، مؤسسة لا يكفي لها توقيع الطرفين على ورقة التأسيس لتستمر وتثمر، شأنها في ذلك شأن كل شراكة، تتطلب تعاوناً وتخطيطاً وتحديداً للمسؤوليات وتكاملاً فيها، شراكة يثري فيها كل طرف الآخر يتآلفان في مسارات متقاطعة أو متوازية ولكن باتساق، يتباينان ويتطابقان، يتماهى كل منهما في عالم الآخر لتتحقق السكينة، في منحة حرم منها كثيرون ولا يدرك حظوتها عديدون.

حبذا لو يدرك المقبلون على الزواج من أبنائنا، ومن سئم رتابة زواجه، غاية هذه الشراكة وكنهها، ليتهم عرفوا قدر هذه الهبة التي يُمنحونها إذا ما كُتب لهم شريك يحمل نصف همومهم وأعبائهم وجل أمانيهم وأحلامهم ويكون سكناً لهم. ليتنا نفطن إلى المفاتيح التي لا تخطئ أبواب سكينة القلب وطمأنينة النفس إلى نصفنا الذي به نكتمل ويضجرنا أفوله عن تفاصيل واقعنا.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر