أبواب

غارسيا ماركيز.. وداعاً

خليل قنديل

قلّة حين يقبض الموت أرواحهم تشعر بأن البحار والأنهار والمدن والشوارع والساحات والغابات والازدحامات البشرية جميعها تشعر بالحزن والرغبة العجيبة في البكاء، لا لشيء سوى أن كل هؤلاء فقدوا وعلى حين غرة مُحاورهم الصامت الذي كان يضم كل هذه الأمكنة بين جناحيه بلغة سرية لا يفهمها إلا هو.

والكاتب الكولومبي غارسيا ماركيز هو من يمثل هذا النوع من الفقدان، ذلك أن ماركيز هو من كان يمتلك قوة التأثير في المصمت والدراية في تنطيقه حبرياً، وجعل كل شيء يتحدث عن نفسه بطلاقة عجيبة. وماركيز حين يقول في مذكراته بلغة لا تخلو من التحدي «ولدت لأروي»، فان هذا يعني ببساطة سحره في إيقاظ المُصمت في الأشياء وتسويقه حد صناعة الدهشة.

الكاتب الكولومبي «غارسيا ماركيز» هو من يمثل هذا النوع من الفقدان، ذلك أن ماركيز هو من كان يمتلك قوة التأثير في المصمت والدراية في تنطيقه حبرياً، وجعل كل شيء يتحدث عن نفسه بطلاقة عجيبة..


ماركيز استطاع في روايته ذائعة الصيت «الحب في زمن الكوليرا» أن يُعيد الاعتبار إلى الرومانسية والحب في زمن كان كل شيء يقاد قهراً نحو ماديته المزعجة، حيث جعل كل واحد منّا يعود إلى قلبه.

وماركيز كان يذهب الى مناطقه البكر إلا أنه وحينما كان يرمي عليها معطفه الحبري يمنحها الحياة وقوة الإشعاع الوجودي، وهذا ما حدث مع قريته التي كانت هي وسكانها تعاني من أمية تكاد تكون دهرية، ولهذا كان يبدو كل شيء وكأنه خلق للتو. ولذلك لم يكن غريباً لا على ماركيز ولا على قارئ «مائة عام من العزلة» أن يقرأ عن امرأة صعدت الى سطح بيتها كي تنشر غسيلها لكنها طارت.

وماركيز استطاع في روايته ذائعة الصيت «الحب في زمن الكوليرا» أن يُعيد الاعتبار للرومانسية والحب في زمن كان كل شيء يقاد قهراً نحو ماديته المزعجة، حيث جعل كل واحد منّا يعود إلى قلبه كي يوقظ حبيبته النائمة فيه كي يغازلها من جديد.

والحال فان حال ماركيز هو حال الكاتب الروسي مكسيم غوركي في التأكيد على بلاغة الجدات، حيث يؤكد كل واحد منهما أن الفم الأدرد قد يخلو من الأسنان لكنه لا يخلو من حكمة السرد وتجلياته، فقد كان ماركيز يأخذ حكايا جدته ويعيد لها الاعتبار حين يعيد صياغتها كتابياً. وربما من هنا يمكن الجزم بأن ماركيز حين أعاد الاعتبار إلى حكايات جدته كان قد ولد الواقعية السحرية في أبهى صورها، مؤكداً أن «الخراريف» التي يهجس بها الفقراء من الممكن أن تعبر عن خيال بشري جامح.

واقترب ماركيز حد الحفر العميق في شخصيات عسكر دول العالم الثالث وهو يتحدث عن «الكولونيل الذي لم يجد من يراسله»، واستطاع أن يضع يده على أماكن الضعف في شخصيات عسكرتارية مركبة.

بقي أن أقول إن ماركيز يمثل قلة من الرجال الذين واجهوا الموت بهذه العافية التي تجعلنا نرفع القبعة احتراماً لغيابهم، ونقول: «وداعاً ماركيز».

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر