أبواب

الحوار الأخير في العالم حول ماركيز

يوسف ضمرة

في عام2007 كتب غابرييل غارثيا ماركيز وداعية مؤثرة، لكنها تنطوي على كثير من الحكمة.

فقد قال مثلاً إن الشيخوخة لا تأتي إلا حين يكف المرء عن الحب. وإن الموت لا يأتي بفعل الشيخوخة بل بفعل النسيان. وإن السعادة تكمن في تسلق الجبل نحو القمة لا في الوقوف عليها. وكرس رسالته لقيمتين رئيستين هما: الحب والأمل.

ومن يقرأ ماركيز، يدرك كم هو صادق في وصيته أو وداعيته.

المآسي التي صاغها ماركيز في رواياته، لم تكن إلا ضوءاً مركزاً على الجانب الآخر، فلا أحد يدرك قيمة الصحة كالمريض، ومن هنا جاء المثل الشائع «الصحة تاج فوق رأس الأصحاء لا يراه سوى المرضى».

لقد شعر بالتعب، وأحس بأن جسده أخذ يخونه فقرر الاعتزال، لكن ذلك لم يفقده إيمانه بالقيم التي آمن بها ودافع عنها طوال حياته، سواء كان ذلك عملياً ومباشرة أم عبر الكتابة.

إن المآسي التي صاغها ماركيز في رواياته، لم تكن إلا ضوءاً مركزاً على الجانب الآخر، فلا أحد يدرك قيمة الصحة كالمريض، ومن هنا جاء المثل الشائع «الصحة تاج فوق رأس الأصحاء لا يراه سوى المرضى».

في عز شبابه قُتل سانتياغو نصار وفي مأساة تقشعر له الأبدان، حدث هذا في رواية «وقائع موت معلن»، وبعد يأس مرعب أمر الكولونيل بذبح الديك، وحين سألته زوجته: وماذا سنأكل بعد ذلك؟ أجاب: خ....

قبل يومين فقط، كتبت على صفحتي الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» مقارنة سريعة بين حضرة المحترم لنجيب محفوظ، و«فلورينتينو اريثا» في رواية ماركيز «الحب في زمن الكوليرا»، ومما قلته في هذه العجالة، هو أن «فلورنتينواريثا» الذي آمن بحبه، وكرس حياته في انتظار المرأة التي أحبها، لم ينسحب من الحياة أثناء انتظاره، عاش واستمتع وأحب وعمل وفكر وتأمل، وربما كانت حصيلة هذا كله تجسدت في تحقق حلمه، فبدأ حياة جديدة بعد بلوغه الثمانين. أجل كان ماركيز في الثمانين حين كتب وداعيته. هل هي مصادفة؟ لقد شعر بالتعب، وأحس أن جسده أخذ يخونه فقرر الاعتزال، لكن ذلك لم يفقده إيمانه بالقيم التي آمن بها ودافع عنها طوال حياته، سواء كان ذلك عملياً ومباشرة أم عبر الكتابة.

كان مقالي هنا في الأسبوع الماضي بعنوان «يرحلون وتبقى الواقعية السحرية»، وفيه تحدثت عن رحيل الروائي الكولومبي الآخر «موتيس» صديق ماركيز ومعلمه، الذي حمل إليه رواية «بيدرو بارامو»، وقال له وهو يقدمها إليه: خذ اقرأ وتعلم. وكنت انتهيت من كتابة نصف مقالي لهذا اليوم، وكان عن الترجمات العربية للأدب الياباني والأميركي اللاتيني، عندما وصلتني رسالة على هاتفي الجوال، وحين فتحتها قرأت «ماركيز» فأغلقت جهاز الكمبيوتر وجلست. ثم فتحته وكتبت على صفحتي «غابرييل غارثيا ماركيز». وجلست كي أكتب هذا المقال.

أتذكر أنني كتبت مقالاً عن وداعية ماركيز، ونشرته في هذه الزاوية قبل ست سنوات، وأظن أنني أكثر من كتب عن ماركيز لشدة تعلقي به، وهو ما جعل رحيله يماثل فاجعة شخصية، فأنا لا أشعر بأنني خسرت كاتبا، فهذا شعور البشرية كلها والعالم كله، لكنني أشعر بالحزن، ولا أجد لديّ رغبة في التواصل مع أحد، ربما أحاول أن أتذكر علاقتي الشخصية بماركيز. صحيح أنه كان أكبر مني، لكننا منذ تعارفنا محونا الفوارق الزمنية والجغرافية بيننا. أتذكر أنني عاتبته كثيراً على قتل سانتياغو نصار بهذه الطريقة الوحشية، خصوصاً موقف القرية التي كانت تعرف بالأمر، وظلت تنتظر المأساة. يومها قال لي: لو تدخل أحد لما كانت المأساة. أمس تحديداً (مساء الأربعاء الماضي) أثرت حواراً طويلاً عن ماركيز، وهو ربما يكون آخر حوار في العالم كله حول ماركيز، قبل أن يحمل البريد أخيراً إليّ تلك الرسالة المغايرة لرسالة الكولونيل.

ماركيز: لا أعدك بتطبيق وصاياك.. للأسف!

damra1953@yahoo.com.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر