5 دقائق

يحترقنَ وحيدات

خالد الكمدة

أين تختبئ؟ زوايا بيتها تحاصرها ولا مهرب من بحر الهموم الذي تغرق فيه، حبلى بأعبائها، تنتقل معها أينما ذهبت وحلّت، بمن تحتمي ومن تطلب منه الأمان أثقلها بأوجاعه وترك لها مسؤولياته..؟

إلى متى تُترك هذه القلوب المحترقة؟ ومتى سندرك أنها إن ذابت لتستمر حياتنا فلا حياة لنا بعدها؟ كيف تُترك الأم لتحترق وحيدة، لتستنزف حتى آخر قطرة حب، وهي إن نضب معينها انقطع عن حياتنا الضياء، وبقينا على غير هدى في نفق الحياة المظلم.

«إلى متى تُترك هذه القلوب المحترقة؟ ومتى سندرك أنها إن ذابت لتستمر حياتنا فلا حياة لنا بعدها؟».

وراء كثير من الأبواب وخلف عديد من الجدران قد تجد روحاً تحترق، أمّاً تطحن همومها كل ليلة، وحيدة بلا معين، وتحمل أعباءها في الصباح مع حزمة من الضغوط والمسؤوليات، تتنقل بها في الشوارع، تزور المدرسة والمستشفى وتبرر لهذا وتستعطف ذاك، وتعود بقائمة جديدة من المهام تخفيها بين أضلاعها لتستقبل شريكها الذي لا يدرك من الشراكة الزوجية إلا حقوقه.

بين مسؤولة تنأى بحملها، وضغوط فرضت عليها، وإحساسها بالغبن، تستنزف طاقات الأم ومخزونها العاطفي، وينهكها الاحتراق النفسي، حتى تصل إلى حافة الهاوية وفي جيدها أسرة وأطفال، وهي إن تهاوت، سينهار معها كثير.

ليست الأم المسؤولة الوحيدة عن تماسك الأسرة، فكيف تترك وحيدة تتقاذفها انتقادات مجتمع لا يرحم؟ كما أنها ليست صاحبة المسؤولية المطلقة عما يتعرض له أطفالها من مشكلات، تحتاج المرأة إلى العون، تماماً كما يحتاج إليه الرجل، لا يمكن لأسرة متماسكة متينة أن تقوم على جهد طرف واحد وإلا تسلل إليها الخلل ونخرت في بنيانها الأحزان. تحتاج المرأة إلى الوقاية النفسية، إلى ما يشد عزيمتها ويحميها من الاحتراق النفسي، إلى الأب الذي يحمل عنها ومعها.

لا تستقيم الحياة في مجتمع تترك أمهاته لتحترقنَ وحيدات، إذا ما تميزت المرأة الأم وأثبتت تفوقها وقدرتها على لعب أدوار متنوعة فهذا لا يعني أن نترك لها ما ينوء الرجال بحمله، ومن الأجدر بنا أن نحافظ عليها لا أن نستنزفها.

twitter@KhaledAlKamda

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر