كل يوم

التقليدية والعمل الخيري «الكلاسيكي»!

سامي الريامي

لايزال العمل الخيري يعاني غياب التنظيم، ويحتاج إلى تدخل حكومي لفرض آليات التنسيق، والمتابعة، ومعرفة تفاصيل ومداخيل كل جمعية خيرية، فلابد من معرفة تفاصيل التفاصيل في ما يتعلق بـ«من أين يكتسبون المال وفيم ينفقونه».

ندرك أن الوضع الحالي ربما أفضل مما كان عليه قبل عشر سنوات مثلاً، لكنه ليس الوضع الأمثل، ولايزال يحتاج إلى مراقبة وتنسيق ومتابعة، فحجم العمل الخيري في الإمارات ضخم، والمبالغ النقدية الموجودة في الجمعيات الخيرية كبيرة جداً، فعلى سبيل المثال يبلغ حجم الأموال الموجودة في الجمعيات الخيرية في إمارة دبي وحدها نحو 750 مليون درهم، والرقم سيتضاعف من دون شك لو شمل بقية الإمارات، ومع ذلك لا توجد سيطرة حكومية على كيفية التصرف بهذه الأموال، ولاتزال كل جمعية تعمل بمعزل عن الجمعيات الأخرى، ولا يوجد أي تنسيق أو تكامل بينها!

غياب التنسيق هذا أدى إلى وجود مبالغ لا يمكن تحديد حجمها، تذهب إلى أناس غير مستحقين، منهم من يأخذ أموالاً من جمعيات عدة، ومنهم من يزوّر في الأوراق، ويكذب في المعلومات، ومنهم من يستغل المناسبات الدينية والاجتماعية ليستغل جميع الأطراف، أهل الخير من جهة، والجمعيات الخيرية من جهة أخرى!

في دبي على سبيل المثال، تقوم دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بمحاولة تنظيم هذا القطاع، وتجري حالياً محاولات جادة لربط الجمعيات، وضمان التنسيق بينها إلكترونياً، وهي خطوة مهمة تحتاج إلى تفعيلها وتعميمها على مستوى الدولة، فليست جميع الجمعيات الخيرية في دبي تتبع بشكل أو بآخر لرقابة الدائرة، وهناك كثير من الجمعيات تعمل بشكل منفصل ومستقل، وتجمع أموالاً بطرق مختلفة، وهناك مؤسسات خيرية لتجار ورجال أعمال تعمل أيضاً بشكل منفصل، وهناك أكثر من 50 جهة ومؤسسة خيرية محلية وعالمية في دبي لا ترتبط بدائرة الشؤون الإسلامية، ولا تعترف بالتنسيق والتواصل، وتفضل العزف بشكل منفرد على وتر الأعمال الخيرية!

إضافة إلى ذلك، فالعمل الخيري في الدولة يسير منذ سنوات طويلة في طريق تقليدي كلاسيكي قديم لا يقبل التطور، فلاتزال ذات الأكشاك لجمعيات مختلفة بعضها جنب بعض، في جميع الأماكن العامة والمراكز التجارية تقدم الكوبونات ذاتها، وتعمل في المجالات ذاتها، كسوة عيد، أضحية، حفر بئر، كفالة يتيم، كفارة يمين، وغيرها، الجميع يعمل العمل نفسه، وبالطريقة نفسها، في تضارب عجيب وغير مفيد!

وعلى الرغم من حجم الأموال الهائلة المتوافرة، فلاتزال الجمعيات بعيدة كل البعد عن التخصص، وعن العمل بشكل متطور في مجالات تفيد المجتمع، كدعم التعليم في المدارس والجامعات، أو في دعم الصحة والمستشفيات، أو في رعاية الموهوبين من الفقراء، أو العمل على دعم مشروعات خاصة لأسر فقيرة تجعلها تخرج من نطاق الفقر نهائياً، لا أحد يفكر خارج الصندوق أبداً، لا الجمعيات ولا أصحاب الخير الذين يتبرعون لتلك الجمعيات، ولا المستفيدون من هذه الجمعيات!

أحد المحسنين دأب منذ سنوات عدة على دفع أكثر من مليوني درهم سنوياً لمعهد متطور يدعم من خلاله الطلبة المحتاجين، أعتقد أن هذا هو الفكر الذي يستحق نشره وتشجيعه في الفترة المقبلة، فالصدقة الجارية في التعليم أهم بكثير مما سواها.

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر