أبواب

في حب علي الخليلي

زياد خدّاش

على فراش المرض الصعب يمضي الشاعر الفلسطيني علي الخليلي وقته إما غائباً عن الوعي أو على حافته، شيخ الثقافة الفلسطينية، كما سماه مرة الروائي أحمد رفيق عوض، توقف بشكل مفاجئ منذ أشهر عن المشي في شوارع رام الله، كعادته ظهيرة كل يوم عائداً من عمله، ذاهباً إلى البيت، متأبطاً جريدة وكتاباً وكيس طماطم وعلبة سجائر، والتزم الآن مجبراً فراشه، لا يفعل هناك سوى الغيبوبة، ولا يمارس سوى الصمت والمرض والنحول.

صاحب «بيت النار» سيرته الفاتنة المكتوبة بشعرية سامقة وحزن شفيف لم يعد يكتب مقاله أو نصه أو قصيدته الأسبوعية في جريدة الأيام، لم يعد يجلس في مكتبه بوزارة الثقافة (بابه دوما موارب) لأزوره أنا والأصحاب، نشرب معه الشاي، ونتحدث غالباً عن محمود درويش الذي كان لعليّ ملاحظات على بعض قصائد نجوميته، وبعض مواقفه، وكنا نحن عشّاق محمود درويش نسمع مطرقين ونحاول أن نتفهم، نصمت حيناً ونوافق أحياناً، فمحمود درويش ليس منزّها عن الأخطاء، قصيدة ومواقف، وليس عصياً على النقد الاجتماعي والأدبي.

كنا في قرارة أنفسنا نعرف أن من حق جميلنا وكبيرنا علي الخليلي الاستياء والغضب، فتجربته الشعرية لم تحصل على حقها من الاهتمام والنقد والتأمل، وظلت حبيسة أمزجة النقاد ومصالحهم وعلاقاتهم وكاتبي تاريخ شعر المنطقة من الكسالى الأكاديميين، ضيقي الأفق ومعتقلي كليات الآداب، يمرّون عليها مروراً في نصوصهم وكتبهم ودراساتهم النقدية، ولا يمسون جوهرها ونبضها ووهجها الداخلي الغني.

كتابة علي الخليلي المتنوعة كان المفروض أن تغري أقلام النقاد، وتثير فيهم حماسة اكتشاف مناطق بكر في الشعرية الفلسطينية الحديثة، ففيها زوايا وثيمات شعرية لم تدرس بعد، كما أن جمالياتها وأساليبها الشعرية والسردية لم يتم تذوقها نقدياً كما تستحق، في رصيد الخليلي الإبداعي عديد من الدواوين الشعرية، ومئات المقالات، وبعض الروايات، وكثير من الدراسات في التراث والنقد الشعري، والتأملات في الحياة والوطن والكتابة، يتذكر كتّاب فلسطين في الثمانينات وأوائل التسعينات مجلة «الفجر الأدبي» التي رئس تحريرها علي الخليلي سنوات طويلة، وقدّم فيها لفلسطين والعرب العشرات من المبدعين الفلسطينيين في الأجناس كافة: القصة والشعر والرواية والمسرح والمقال والصحافة، بعضهم لايزال يبدع، وبعضهم توقف بسبب موت أو هرم فني.

لا أملك في جعبتي لك سوى تلال من الحب والامتنان يا صديقي وأستاذي علي الخليلي، وهذه العبارة المعدّلة من عبارة محمود درويش الشهيرة: يا مرض هزمتك الفنون جميعاً.

zkhadash@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر