مزاح.. ورماح

«فكّر.. دبي!!»

عبدالله الشويخ

كنت مع ابن عم لي نعتقد بأننا نقوم بأعلى درجات الجهاد وحب الوطن، فقد لمحنا أثناء بناء ذلك المسجد أواسط الثمانينات أحد العمال وهو يربط خيطاً أسود حول إحدى يديه في إشارة إلى عقيدته، فاستلمناه! فتارة الجهاد بسرقة غدائه الموضوع في حرارة أسطوانية لم نفلح في اكتشاف طريقة فتحها، وتارة بالجهاد بتعلّم مسبات عدة من أفلام بوليوود وتجريبها عليه، وتارة بتقليد أطفال الحجارة ذوي الشعبية الطاغية في تلك الأيام، بحيث نعتبره العدو الصهيوني. كان العامل المسكين يحاول كف أذانا بما استطاع، وكان مما حاوله إبلاغ «المطوع» الذي كان يؤم الناس في مسجد كرفان قريب حتى الانتهاء من مسجد الحي الكبير!

في تلك الأيام حين كان لـ«المطوع» هيبة، في تلك الأيام حين كان للمعلم هيبة، في تلك الأيام حين كان كل مطوع معلماً وكل معلم مطوعاً، أحضرَنا المطوع وأصدر قرار العقاب علينا بأن نساعد العامل على نقل «الطابوق» ووضعه في مكانه لمدة ساعة بدت كدهر! إلا أنني حفظت أماكن الطابوق التي وضعتها في المسجد أثناء عقابي. ومرت ثلاثون عاماً ومازلت كلما مررت على ذلك المسجد أشعر بالفخر الشديد، هنا لي أثر! لقد وضعتُ لبنةً هنا! كلما دخلت للمسجد نسيت ابن عمي والعامل والمطوع، ولم يبقَ في ذاكرتي سوى أنني هنا! ذراعي أسهمت بهذا الصرح، وأنا سعيد بهذا!

قليلاً ما نسمع كلمة «فكّر» كفعل أمر في سياق إيجابي، فعند الطفولة حين ترتكب خطأً تأتيك «فكّر» كبديل محترم عن عبارة: يا «...»، وفي المدرسة «فكّر» كنوع من التهديد المغلف إن لم تعرف إجابة السؤال، وفي المقهى «فكّر» تأتي من شريكك لكي لا تستعجل تنزيل الجوكر لأنه شايل اللعبة.. وهلمّ جرا!

لذا فقد كانت سعادة الإعلاميين كبيرة وهم يرون كلمة «فكّر» في سياق مختلف تماماً، حيث جمع المكتب الإعلامي لحكومة دبي الإعلاميين من جميع أنحاء الوطن العربي ليفكروا دون ضغوط وفي مناخ صحي وودي في فعالية سمّيت بـ«فكّر دبي»، وطُلب منهم أن يتخيلوا كيف ستكون دبي بعد عشرين عاماً ويكتبوا، لا حدود للتفكير! فقط «فكّر»، تخيل كيف تراها واكتب وناقش زملاءك، وكل شيء قابل للتطبيق بتوفيق الله وبالنيات الطيبة وبالحب الذي تزرعه «دبي» حولها ولن يقطف ثمره أحد قبلها!

الإعلاميون الذين طالما كانوا مهمشين في صناعة القرار عربياً يجدون أنفسهم مطالبين ليضعوا لبنة سيروون لأبنائهم ذات يوم أنهم كانوا خلفها، ليتركوا أثراً في لبّ صناعة القرار والحضارة.

فكيف إذا كانت هذه الحضارة هي «الحلم العربي»؟

وكيف إذا كانت مشاركتهم لصناعة القرار.. في مدينة بحجم «دبي»؟

الأمر كان يتعدى الاحترام والمجاملة إلى عملية مدروسة لزرع ثقة الإعلاميين بأنفسهم وتوضيح أهمية دورهم في بناء الحضارة.. دون كلمات!

.. فشكراً دبي!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر