مزاح.. ورماح

شجرة في الرأس

أحمد حسن الزعبي

كنا ـ ونحن صغار ـ إذا ما أردنا التعبير عن الطلب المستحيل، نقول: «لو تطلع براسك شجرة، ما فعلت كذا».. فيعرف الطرف الآخر أن آماله اصطدمت بحائط الإصرار، لأن عظام الجمجمة لا ترعى الجذور، والرأس القاسي لا ينتج الثمر الطري.

لكن ثمة شجرة أخرى، في مقال اليوم، وإن التقت في النتيجة نفسها الأولى، الرئيس الأميركي باراك أوباما فكّر طويلاً، في وسيلة تحسن شعبيته عند «الإسرائيليين»، وتزيد من «تزلّفه» إلى الابنة الوحيدة في الشرق الأوسط، فخطر بباله أن يحضر شجرة، يزرعها في الأرض المغتصبة لتتذكره الأجيال القادمة، وتترحّم على أيامه، ولسان حاله يقول: «أنا من يرسّخ لكم السلام والديمومة والبقاء».

المهم.. أحضر الرجل الشجرة معه من أميركا، وأجلسها قربه على الكرسي، وكلّف أحد المرافقين بحملها ورعايتها والحفاظ عليها طوال ساعات الرحلة، من واشنطن إلى تل أبيب، وبعد أن قام بـ«بروتوكولات» الزيارة، توجه بكل قلبه إلى مقر الرئيس «الإسرائيلي» شمعون بيريز، حيث حفر لها مكاناً بالتربة المسروقة من خلال مجرفة بدائية.. زرعها، أعاد التراب عليها، شكره بيريز على هديته، وما إن غادر الحديقة حتى أتت وزارة الزراعة «الإسرائيلية» لتخلع الشجرة من مكانها، بحجة أنها لم تخضع للفحوص المطلوبة.. تخيّلوا كل هذا الود قابله هذا الجفاء.. ليقولوا «لو تطلع براسك شجرة لن تنال رضانا». في المقابل قامت بلدية بيت لحم بمحاولة خلع شجرة زيتون وخريطة فلسطين من مدخل المدينة، لترضي «أوباما» التي يزورها مجاملة لا حبّاً.. ثم اجتمعوا معه ليحثوه على إنصافهم في السلام ـ عن أي سلام وأي إنصاف تتحدّثون ـ ووطنكم المنحوت في الصخر خلعتموه لعيون الضيف كي لا يُجرحُ شعوره.. فهل يا ترى سيراعي شعوركم بشفقة وطن؟؟ فكل هذا الذلّ المغطّى بالود..قابله الرجل بجفاء ليقول لهم: «لو تقلعون عيونكم وتضعونها أمامي، لا أحبّ سلالتكم». لن ينبت السلام من الرؤوس القاسية، فعظام الجمجمة لا ترعى الجذور، والدم المراق منذ ‬65 عاماً لن يورق جاردينيا بيضاء.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر