مزاح.. ورماح

..مثل الدنيا

أحمد حسن الزعبي

دخل المحاسب محمود إلى مكتبه منزعجاً متكدراً، وبالكاد ألقى التحية على زميله فايز، ثم بدأ بفتح دواليب درجه بعصبية ونزق شديدين، وإخراج الأختام والمكابس ومثاقب الورق ودفاتر «القبض»، مستأنفاً يومه الجديد بتأفف وشكوى، وبعد أن استقرّ قليلاً فوق كرسيه، سأله زميله في الغرفة عن سبب هذا الانزعاج، والعصبية التي تجتاحه على غير العادة، فشرح له القصة كاملة: «بالأمس، ومع انتهاء الدوام أخذت فلوس الخزنة لتوريدها إلى البنك كالعادة، وكما تعرف أصنّف الفئات النقدية تنازلياً بشكل منفصل، وأضعها في كيس من الورق، وآخذها بسيارتي الشخصية، وعندما وصلت البنك، قمت بتعبئة نموذج الإيداع، ووضعت بالقرب مني هاتفيّ النقالين؛ هاتفي الخاص والهاتف المصروف من الحكومة، وبعد أن أودعت المبلغ وتأكد منه موظف البنك، غادرت المكان، وقبل وصولي إلى السيارة، تذكرت أني نسيت هاتفيّ هناك، فعدت إلى حيث نسيتهما، فوجدت هاتف (الحكومة) في مكانه، بينما هاتفي الشخصي قد سُرق، علماً بأن (جهاز) الحكومة أثمن وأحدث وأجمل».

ضحك زميله فايز حتى سالت دموعه، فاستشاط المحاسب غضباً، لأن زميله ورفيق وظيفته لم يبدِ حتى أسفاً مصطنعاً يخفف من «أسى» الفقدان، فقال الأخير اسمع قصّتي: «تعرف أني انصرفت أمس باكراً إلى الوزارة لحضور الحفل الشهري لتكريم الموظفين المثاليين، وكما تعرف أن دائرتنا اختارتني الموظف المثالي للشهر الماضي، لأنني لم أتأخر يوماً واحداً عن الدوام، كما لم أستخدم أي إجازة اضطرارية، ولم أرتكب أي مخالفة طوال ثلاثين يوماً كاملة، وتعرف صديقي أن هذا يعد رقماً قياسـياً لموظفي الحكومة، خرجت قبل الاحتفال بساعة، تحسباً لأي تأخير، لكن أزمة الطرق كانت مضاعفة أمس، ولأنه لم يتبق على بدء التكريم سوى عشر دقائق قمت بركن السيارة فوق حافة الرصيف المقابل لمخرج الكراج، دخلنا إلى القاعة المكيّفة، بدأوا الاحتفال بفقرات تثني على الاجتهاد والإخلاص في العمل، ثم قاموا بتكريم الموظفين المثاليين للشهر الماضي، سلّمني الوزير مغلفاً صغيراً، ومغلفاً كبيراً، عليهما شعار الدولة، وعندما انتهى الاحتفال خرجت فرحاً منتشياً، ولم أستطع الانتظار حتى أصل إلى سيارتي لأعرف ما يخبئه القدر لي داخل المغلفين، فتحت المغلف الصغير، وإذا به مكافأة قيمتها ‬100 دولار، فسررت أيما سرور، ثم فتحت المغلف الكبير، وإذا به شهادة تقدير، مكتوب اسمي عليها بخط النسخ العربي الجميل، موظف الشهر المثالي عن شهر فبراير، فشعرت بتقدير وفخر كبيرين، وعند وصولي إلى المكان الذي ركنت فيه سيارتي لم أجدها، بحثت في محيط الوزارة أكثر من نصف ساعة، ثم لمحتها في ساحة ترابية قريبة وعليها ورقة صغيرة (زهرية) اللون، وأخرى بيضاء كبيرة، أخذت الورقة (الزهرية) لأكتشف أنها مخالفة مرورية تقدّر بــ‬200 دولار، بسبب الاصطفاف الخاطئ، أما الورقة البيضاء الكبيرة فمكتوب عليها بخط اليد - وقد رسمت حروفها بالنسخ العربي - العبارة التالية: (أنت تقف أمام كراج الوزير يا حمار!)».

أعرفت لماذا ضحكت؟ لأن الحكومة مثل الدنيا، مالها باقٍ فيها.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر