مزاح.. ورماح

أنا آسف..

أحمد حسن الزعبي

صباح الثلاثاء الماضي، استيقظت على إلحاح رهيب من رقم غريب اتصل للمرة السابعة على التوالي، فلم يعد بوسعي إطفاء الجرس مرة أخرى، أو العودة إلى النوم بعد كل هذا الإصرار من المتصل، كان صوتي خشناً معتقاً بالنعاس ومجروحاً بالشخير الطويل:

أنا: ألو..!!

المتصل: ألو، صباح الخير الأخ أحمد.

أنا: نعم.

المتصل: أنا جارك المحامي إبراهيم.

أنا: أهلاً وسهلاً.

المتصل: يبدو أن البناية كلها تعرضت للسرقة، أمس، مكتبكم ومكتبي ومكتب السيد إلياس نحاس العقاري، وصالون أميرة بابل، لقد وجدنا الأقفال مكسورة، والأبواب مخلوعة، قمنا بالاتصال بالشرطة، هم الآن في الطريق، يرجى حضورك بسرعة لحصر مفقوداتك.

غيرت ملابسي وانطلقت نحو المكتب، كان هناك صوت نقاش وتخمينات في الطوابق العلوية لجيران، وأصحاب مكاتب تم السطو عليها، توقف المصعد في الطابق الأول، خرجت منه مندفعاً نحو المكتب، الباب مكسور بالكامل، صحيح أن المنظر موحش، لكن ما واساني أكثر أنه بمجرّد دخولي كانت الأشياء في مكانها، الكمبيوتر، «الكولر»، الطابعة، «شباشب» شريكي يوسف المبعثرة في قاع المكتب، الفاكس، دفتر الشيكات، وعبوة شيبس «برنجلز»، كلها موجودة، جلست على الكرسي، ثم انفلت بضحكة مجنونة، قلت في نفسي: ما هذا «الهبل»! ماذا سيسرق الحرامي من مكتب بائس كمكتبنا، يووووه لو يعرف قصتنا! لقد أسست وشريكي «يوسف» مكتباً للدعاية والإعلان قبل سنتين تقريباً، لم نفلح منذ ذلك التاريخ في نشر إعلان واحد في الصحف سوى إعلان «نعي» لأحد أقرباء جار زوج أخت «يوسف»، ولم نحصّل ثمنه بعد، مع أن المرحوم - على الأغلب - قد أنهى مستلزمات عذاب القبر منذ شهور، كما أن الكمبيوتر يحتاج إلى «فرمته»، و«الكولر» فارغ، والطابعة فيها «كاتريج» جاف وفارغ، والفاكس من غير ورق، دفتر الشيكات مصروف منه ورقتين فقط لمصلحة مالك البناية، كل شيك بستة أشهر، و«شباشب» يوسف مختلفة الألوان، والمقاسات تنافس بعددها «شباشب» أكبر متوضأ في الشرق الأوسط، يووووه لو يدري هذا المسكين أن النشاط الوحيد الذي نقوم به في المكتب هو النميمة وشرب القهوة، وأحياناً كسر الغفوة عند الساعة الثالثة عصراً.

بعد دقائق من حديث النفس طُرق الباب بهدوء، دخل ضابط بحث جنائي وشرطيان ومالك البناية، أخذوا اسمي الكامل وبصماتي، ثم سألوني عن ساعة مغادرتي، أمس، وقبل أن يسألني الضابط عن مفقوداتنا، غافلته بسؤال ملحّ كان قد خطر ببالي:

سيدي.. في حال تم إلقاء القبض على الفاعل، هل هناك خوف علينا نحن أصحاب المكتب؟!

استهجن الضابط السؤال، مستفسراً: ما فهمت؟

قلت له: بصراحة «خايف الحرامي يرفع علينا قضية عطل وضرر، لأنه دخل المكتب وضيّع وقته، ولم يجد شيئاً يستفاد منه، أمانة إذا مسكتوه خليني أشوفه وأعتذر منه إذا في مجال».

لملم الضابط أوراقه وخرج من غير تعليق.

أخي الحرامي.. عن جد أنا آسف.. غلبتك.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر