من المجالس

مدرس بنصف راتب «معلم»

عادل محمد الراشد

في منطقة النادي السياحي في أبوظبي المكتظة بالناس والسيارات، تتزاحم المطاعم والكافتيريات والمخابز ومحال الحلويات وبيع الخضراوات والآيس كريم والمحامص والبقالات، وكل ما يتصل بالأفواه والأمعاء. وسط هذه الزحمة يحتل محل لـ«البوظة العربية» ركناً صغيراً أسفل إحدى البنايات الثمانينية (نسبة الى فترة الثمانينات) غير الآيلة للسقوط. في هذا المحل العامر بالزبائن كان يقف خلف الثلاجة رجل عربي متوسط العمر يحسن التعامل مع زبائنه، كما كان يتقن إعداد البوظة بنفسه حفاظاً على سر المهنة كما كان يقول.

هذا الحرفي الماهر والبائع البشوش كان قبل أن يكون «صنايعي بوظة» يعمل مدرساً في إحدى المدارس الحكومية التي جاءها منتدباً من بلده، لكنه اضطر لترك مهنة التدريس في أواخر تسعينات القرن الماضي لضعف الراتب والتحول الى موظف بنسبة في ذلك المحل الصغير. وعندما سألته مستغرباً ترك مهنته في صناعة الإنسان الى صناعة البوظة، بدت عليه علامات الأسى وردد العبارة نفسها التي أصبحت حاضرة في معظم البلدان العربية: «متطلبات الحياة أقوى أحياناً من الثبات على المبادئ!»، وبعد شهور من ذلك الوقت اختفى الرجل من ذلك المحل، وبعد السؤال عنه تبين أنه عاد الى التدريس في إحدى مدارس المنطقة الغربية. ربما كان تحسن وضع الرواتب في المدارس الحكومية هو الذي شجع ذلك المعلم ليعود الى حماه، ويتصالح مع هواه، ويشنف أذنيه بلقب «أستاذ» بدلاً من «يا معلم».

فلا نعجب من خبر أولئك المدرسين والمدرسات الذين يعملون في وظائف الطبخ والسمسرة خارج الحرم المدرسي إذا علمنا، وهذا ليس سراً، إن رواتب بعض هؤلاء لا تعادل نصف راتب معلم الشاورما في أصغر مطعم.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر