أبواب

الاستشراق جنسياً

خليل قنديل

على مد التاريخ الإنساني ودهريته الموجعة، لم تخل العلاقة بين الشرق والغرب من الرغبة في الاستيلاء والاحتلال، وقمع الشعوب، والقبض على ذاكراتها الجمعية بكل السُبل المُتاحة، لا بل وتقمصها أيضاً.

وكانت علاقة الغرب بالشرق تقيم في مخيال المواطن الغربي بناء على توصيفات لرحالة ومستشرقين، عرفوا في وقت مبكر كيف يؤججون المخيال الغربي عن الشرق، وفتح شهية هذا المخيال بالقصص والحكايات التي تسرد خبايا المرأة الشرقية وأنوثتها الطافحة، فكانت هذه التوليفة الانطباعية عن الشرق هي قدح الشرارة الأولى في الارتحال من الأرض المُشبعة بالغيوم الداكنة والأمطار والبرودة، الى الشرق صاحب الطبيعة السرية الخلابة، وصاحب الشمس الساطعة دومًا، تلك الشمس التي توقظ الرغبات الجنسية!

من هذه النقطة تحديداً ينطلق المفكر التركي برفن جميل شكّ، في كتابه الصادر عن دار دقمس «الاستشراق جنسياً»، حيث ترجمه للعربية عدنان حسن، وكتب مقدمته الشاعر السوري الراحل ممدوح عدوان.

يبدو الكتاب وكأنه الفتح المعرفي الجديد في تحديد النوازع النائمة في تفاصيل الاستشراق، تلك النوازع التي تركز أساساً على الدوافع الجنسية.

ويستعرض برفن جميل في كتابه نقطة الانطلاقة الأولى عند الغرب، حيث تبدأ حين تمت ترجمة كتاب «ألف ليلة وليلة» الى اللغة الفرنسية، موضحاً أن كتابات مزورة ومُستلة من مناخات ألف ليلة وليلة صارت تدفع الى المطابع وبأسماء مزورة، لتعمل على تأجيج المخيال «المُجنسن» عند الغرب باتجاه الشرق.

وينتقل المؤلف بالقارئ الى ذاك الفهم الذي تغلغل في الوجدان الغربي المستشرق حيال الشرق باعتباره منطقة تعج بالحريم المحرومات، والرغبات المكبوتة والأسرار، مرتكزاً على حصر فهم الشرق بالواقع التركي السلطاني، حيث الترف الجنسي الذي يمارسه السلطان وحاشيته، وحيث الحمامات العامة التي تذهب اليها النساء للاغتسال والتمتع بمشاهدة بعضهن البعض.

ان الاحتلالات المُبكرة التي أقدم عليها الغرب بجيوشه الجرارة تجاه الشرق تبدو كأنها احتلالات جنسية بُنيت أساساً على مخيال كان قد أسس له وبشكل مسبق الرحالة وعموم المستشرقين!

وعليه فإن ثمة مرجعيات ذهنية نبتت على ضفاف هذه العقلية الاحتلالية تقوم في أساسها على التباين العرقي، وعلو الدم الغربي الأزرق على الدم الشرقي، من حيث الاشتراطات التي لم تكن تمانع في اقامة علاقات مع النساء الشرقيات.

ان المرء حين يطالع كتاب «الاستشراق جنسياً» يخرج بانطباع مفاده، ان التقدم التكنولوجي والمعرفي مهما بلغ حجمه، فإنه لا يستطيع أن يتغلب على الثيمات البدائية النائمة، بل إن هذه الثيمات تظل تتغلب عليه على الرغم من التمظهرات الأميبية الكاذبة التي يبديها هذا التقدم في كل مفصل تاريخي.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر