5 دقائق

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لفتات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، للمكارم ومعالي الأمور كثيرة وفيرة، فمِن لفتاته الإنسانية العالمية، عطاءً أو تعليماً أو جوائزَ ذات أثر فعال ومنج جزال، إلى لفتاته الحانية بالأيتام أو الأرامل أو ذوي الدخل المحدود، إلى أن توجها بخير لفتة وأكرم تكريم، إنها لفتته لتكريم الأم بمناسبة ذكرى جلوسه في سٌدة الحكم بالإمارة، كل ذلك لأن نفسه كريمة، وهمته عالية، وطموحه خفاق، فلا تصدر منه إلا مثل هذه المكارم، ولعل ما يخبئه الزمن أكرم وأجل، وهكذا كل إناء بالذي فيه ينضح!

الأم تستحق الإكرام، وتستحق الجوائز العظام، وتستحق أن ترفع فوق الهام، وأن تكون في ذروة العز بين أبنائها وبناتها وأحفادها وأسباطها، بل عشيرتها والمجتمع، وقد قالوا: إنها نصف المجتمع، لكني أقول: إنها المجتمع كله، لأنها هي لَبِنة المجتمع الأولى، وهي الوالدة والمربية والمعلمة والعاملة والبانية للأجيال، فهي التي إن صلحت صلح المجتمع، وإن فسدت فسد المجتمع، وإن أكرمت عز المجتمع، وإن أهينت أهين المجتمع، وهذا ما لا يخفى على عربي أو مسلم، فيوم أن أهينت امرأة مسلمة في سوق بني قينقاع أُديل على اليهود وأُجلوا من المدينة، ويوم أن أشارت أم سلمة رضي الله تعالى عنها على المصطفى صلى الله عليه وسلم، أن يبادر بالتحلل من إحرامهأ ليراه الناس فيقتدوا به كان ذلك سبباً لتفريج كرب المسلمين أعقبه الفتح المبين، ويوم أن فعل ملك الروم بعمورية ما فعله بالمسلمين، فنادت امرأة هاشمية المعتصم العباسي قائلة: وامعتصماه! فقال وهو في مجلسه: لبيك لبيك! ونهض من ساعته، وصاح في قصره: الرحيل الرحيل! وفتح عَمورية، هكذا هي المرأة الأم والجدة والأخت والبنت في الإسلام، ومن أجل ذلك كان في القرآن الكريم سور خاصة بأسماء النساء عموماً وأسمائهن خصوصاً، وكم اعتنى القرآن الكريم بأخبارهن وأشاد بمنزلتهن ليُلفت الرجال إلى حقوقهن ومنزلتهن التي تليق بهن، بخلاف ما كانت عليه المرأة في الجاهلية الأولى، أو عند الديانات والشعوب الأخرى، لاسيما عنايته بالمرأة الأم التي حملت كرهاً ووضعت كرهاً، وحملت وهناً على وهن، وحضنت وسهرت، ولعلها جاعت لتشبع وليدها، أو عريت لتكسوه، أو شقيت لتسعده، تلك الأم التي جعل لها المصطفى صلى الله عليه وسلم ثلاثة حقوق مقابل حق واحد للأب، والتي جُعلت الجنة تحت قدمها، ورضوان الله عند رضائها، وسعادة الدنيا والآخرة بإسعادها، فهي أجدر بالإكرام، وأحق بالإعزاز والاحترام، وأولى أن يشاد بفضلها بين الأنام.

هذه الأم المثالية التي إن أُكرمت حدبت على أولادها كباراً كما فعلت معهم صغاراً، فغمرتهم بدعواتها وحنانها وتعلقها، وكانت مصدر إسعادهم، وبركة على حياتهم وآخرتهم. هذه الأم التي يكون إكرامها فطرياً، والإحسان إليها فريضة، وشكرها واجباً وإسعادها محتماً، فمن يقوم بذلك فإنما يكرم نفسه، وينال من الجزاء في الدنيا كما فعل، على ما يدخره الله له من الأجر في الآخرة، وإذا عاشت الأُمةُ زاخرة بهذه المعاني والمعارف الراقية، فإنها أمة مرحومة محبوبة متماسكة ذات فضائل وفواضل، وقد أراد سموه أن يعيش شعبه وتعيش أمته بمثل تلك السعادة الأسرية في ظل أم حانية، وأب رحيم وأسرة متماسكة، وقد وصلت رسالته وأسمعت كلماته من به صمم، متعه الله بما تقر به أعيننا من كمال الصحة، وتمام العافية وطول العمر في طاعة مولاه وإسعاد شعبه وأمته.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر