أبواب

شعوب ورؤساء

علي العامري

هل كان يلزم أن يراق كل هذا الدم العربي في الساحات والميادين والمدن والقرى، حتى تعي بعض الأنظمة أن الشمس لا يمكن أن تغطى بغربال؟ وهل كان واجباً قومياً أن تسفك دماء عربية حتى تعرف تلك الانظمة أن ثمة ظلماً يتغول فيها، وأن مواطنيها «منقوصو» الحقوق، وأن الحريات تستغيث، وأن الغلاء يتجول في الأحياء الفقيرة والمرض ينهش البيوت، والفساد يتبختر محمياً تحت هدير الطائرات وتحت قباب البرلمانات الصورية وتحت سقوف تلك الحكومات؟ وهل كان لزاماً على الشعوب العربية أن تخرج إلى الشوارع صارخة ومذبوحة وغاضبة حتى تعرف الحكومات أن كرامة الإنسان على أرضها مهدورة، وأن أجهزة علنية وسرية تتحكم بالهواء الذي يهب من جهة الحرية؟ هل كان لابد من دم عربي ودموع أمهات وتيتّم أطفال، حتى تعترف تلك الدول بأن معظم مواطنيها الذين تنظر اليهم باعتبارهم «ملكية حكومية»، هم يلهثون وراء رغيف نظيف ومدرسة جيدة ومستشفى محترم وخضراوات غير ملوثة؟ هل كان لزاماً أن تقدم شعوب عربية «أضحيات» من بين صفوفها، حتى يطل رئيس ويلقي «خطاباً ملكياً» يمجد فيه نفسه، ويمتدح لغته وأفكاره ويقدم «درساً» للآخرين، لأنه يرى نفسه «أستاذاً» في الفيزياء والخطابة والكيمياء والاجتماع والاقتصاد والسياسة والتربية والفلسفة والرياضيات والبناء والزراعة والرياضة والقانون والسيمياء أيضاً. هل كان الدم ضرورياً حتى يعرف بعض الرؤساء أن شعوبهم ليسوا لصوصاً وليسوا مرتزقة وليسوا «جراذين» وليسوا جراثيم وليسوا مخربين وليسوا ارهابيين وليسوا «مندسين» وليسوا عشاق فوضى. هل كان الدم المراق ضرورة وطنية وحتمية، حتى يعرف هؤلاء أن شعوبهم تحب الأوطان، وتعشق التراب الوطني، وأنهم ليسوا خونة، وليسوا متاجرين بالنشيد الوطني، وليسوا مرتشين وليسوا قاتلين وليسوا حثالة وليسوا جبناء أيضاً؟ هل كان قتل طفل عربي ضرورة، حتى تعرف تلك الأنظمة أن شعوبها «منزوعة» الحرية بفعل فاعل مع الرصد والترصد، وأن الشعوب حصانة البلاد، وأن الشعوب هي الحضن الأول للمقاومة وهي السند الحقيقي للوقوف في وجه كل التحديات، مهما كان مصدرها؟ هل كان يجب تعذيب طفل أو زج الآلاف في السجون، حتى تتضح الرؤية في مشهد الدم أمام عيون تلك الحكومات، لتخرج في بيانات أو خطب أو تصريحات لتعترف بأن الإصلاح السياسي هو الحتمية، وأن الحرية هي الحتمية، وأن الديمقراطية هي السبيل إلى الأمن والأمان والازدهار والتنمية، وأن المشاركة الفعلية للشعوب في مختلف مجالات الحياة هي طريق الكرامة والاستقرار والتطور، من دون تهميش أو حجب أو منع أو قتل أو سجن أو طرد أو تهجير أو نفي؟ هل كان كل هذا الدم العربي ضرورياً، حتى تنجلي مرايا الحكومات لترى صورة شعوبها الحقيقية، وهي تهب ثائرة من أجل الخبز والحرية والعدالة والديمقراطية والكرامة والمساواة؟ وهل كان القتل بالرصاص الحي وقذائف الدبابات والطائرات والصواريخ ايضا ضرورة لا يمكن تفاديها، حتى يستقل رئيس أول طائرة ويهرب من بلده من دون رجعة، أو يعلن آخر تنحيه، أو ينتظر آخرون سقوطهم؟ هل كان ذلك واجباً، حتى «يكتشف» نظام أن الظلم كان يتنامى بين صفوف الشعب طوال عقود من الزمان، وأن أجهزة البطش كان لها «الكلمة الأولى»، وأن كلمة «تظاهرة» كانت تعني «خيانة» في قاموس الحكومة، وأن دوس الناس بالأحذية الثقيلة كان «واجباً مقدساً» لتعزيز «جمود» البلد أمام هبوب رياح الحرية؟ هل كان لابد من قتل، حتى تعرف بعض الأنظمة أن التغيير ديدن الحياة منذ البدء، وأن الشعب هو الوطن، وأن له الكلمة الأعلى، مهما طال الصمت، ومهما اشتد الظلم والظلام؟ هل كانت المجازر ضرورية، حتى يرى رئيس أن الفجوة بينه وبين الشعب تقاس بالسنوات الضوئية، ولا يمكن ردمها بالدم؟ هل كان ذلك ضرورياً حتى تعي الأنظمة أنها ليست «خالدة»؟

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر