من المجالس

عادل محمد الراشد

يقول المترجم الشهير الدكتور دينيس جونسون ديفيز، إن اللغة العربية ليست لغة عالمية، ومن الصعب أن تكون كذلك، لأنها لغة صعبة بعكس اللغة الإنجليزية التي ساعدت سهولتها على شيوع استخدامها في كل العالم.

ولا أدري كيف توصّل الدكتور ديفيز إلى هذا الحكم، وهو الكندي الذي استطاع أن يمسك بناصية اللغة العربية ويطوعها بفهم عميق، تمكن من خلاله ترجمة العديد من النصوص الإسلامية وأعمال عدد من كبار كتاب الأدب والفكر العرب، لم تبعده عنها جغرافيا طبيعية ولا تباعد ثقافي ولا نسب عرقي. وبالتأكيد لا يخفى على الدكتور ديفيز أن اللغة العربية كانت عالمية بامتياز عندما كان العالم ينهل من علوم الشرق الإسلامي في زمن الريادة والانتصار الحضاري. لم تكن العربية صعبة على «الأعجمي» سيبويه الذي نحت اسمه في مقدمة علماء اللغة العربية في عصره وحتى عصرنا الحالي، ولم تكن العربية صعبة عندما كانت أداة التعبير الأقوى والأمكن لإبداعات وأفكار واختراعات الخوارزمي وابن سينا وإخوانهما من علماء الحضارة العربية الإسلامية غيرأ العرب، الذين ملأوا الأرض نوراً وعلماً بخط عربي واضح وحروف لم تكسرها اللهجات الأعجمية، كما يحدث في عصرنا الحاضر على ألسنة الكثير من المثقفين العرب. ولم يكن الحرف العربي صعباً على الفنانين والخطاطين الأتراك والفرس والهنود الذين أسسوا مدارس الخط العربي ورسّخوا ثقافته بفهم عميق وحفروا بصمات ريشهم الرائعة في بخارى وطشقند وسمرقند وأصفهان واسطنبول ودلهي، وغيرها من حواضر ومدن شعَت منها الحضارة بلسان (الضاد) وحروف اللغة العربية.

اللغة عندما تكون حية ولساناً لحضارة ضاربة في الوعي والوجدان والتاريخ، فإنها لا تكون صعبة ومنكفئة، ولكنه واقع المنتصر والمهزوم الذي يجر معه إما نصراً وإما هزيمة للثقافة قبل الجيوش، واللغة هي وعاء الثقافة كما يقال. وفي واقع الهزيمة الذي يلف النفس العربية والإسلامية اليوم أصبحت اللغة العربية صعبة ومنبوذة من الأقربين في الداخل قبل الأبعدين عبر البحار والقفار. وهو خلل لا تتحمله اللغة، ولكن يتحمله الواقع المهزوم الذي تنتمي إليه.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر