5 دقائق

الأيام المعدودات

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يتسابق الناس إلى الفضائل في أيام الفضل لينالوا خيرها، وهذه الأيام من غرر أيام الفضل التي حث الله تعالى عباده على اغتنامها بالذكر والشكر وتقريب القرابين له سبحانه، فقد قال جل شأنه: {وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيامٍ مَعْدُودَاتٍ}، وهي هذه الأيام الثلاث المسماة بأيام التشريق، وهذا الخطاب وإن كان موجها لحجاج بيته القارين في منسك منى، بدليل آخر الآية: {فَمَنْ تَعَجلَ فِي يَوْمَيْنِ فلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتقَى}، فإنه يشرح للحجاج هذا المنسك، ويبين لهم أنه سواءٌ في حقهم التعجل في النفر والتأخر، وأن الجميع قد نالوا شهادة إلهية بحط الآثام، كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: «من تعجل في يومين غفر له، ومن تأخر إلى ثلاثة أيام غفر له». وكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما: «رجع مغفوراً له»، أو قال: «غُفر له».

إلا أن هذه الأيام كالعشر السابقة يشترك فيها الحجاج وغيرهم في اقتناص فضلها والتعرض لنفحاتها، فهو يشمل الجميع؛ فإن العِبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكل من هو أهل لهذا الخطاب فهو معني أن يذكر الله كثيراً في هذه الأيام، لينال جزيل مثوبته على ذكره جل شأنه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل».

وذكر الله في هذه الأيام هو التهليل والتكبير والتحميد، وهو وظيفة هذه الأيام للحاج وغيره، أما الأكل والشرب فهو منهج الحياة في السنة كلها، إلا أن للأكل والشرب ميزةً في هذه الأيام، وهي أنها أيام ضيافة الله تعالى لحجاج بيته ومسلمي عباده، فقد سخر لهم بهيمة الأنعام التي خلقها لهم، كما قال سبحانه: {اللهُ الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}، وقال: {وَإِن لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِما فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}. بل أمر بشكره وذكره في هذه الأيام لهذه النعمة خاصة كما قال جل شأنه: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَاف فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَر كَذَلِكَ سَخرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ}. وإنما يتمنن الله تعالى على عباده بهذه النعمة التي أكرمهم بها لما فيها من نفع للإنسان في صلاح الأجساد والمعايش والأحوال، أما هو سبحانه فهو غني عن ذلك، كما بينه بقوله: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا ولا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التقْوَى مِنْكُمْ}. فقد قال أهل التأويل: التقوى التي ينالها الله سبحانه هي التي تنفع صاحبها ويرتفع بها عند ربه، وهي الرافعة لتلك الهدايا إليه، كما كان الكلم الطيب صاعداً بالعمل الصالح إليه، فلما قبلها منهم، وحازها لديه، وصارت له، وحصلت عنده، اتخذ لهم ضيافة، جمعهم عليها، فأطعمهم مما عنده، وهو ما تقربوا به إليه، وقبله عنهم، فصارت لهم مقبولة مطهرة، فأطعمها إياهم، وجاد بها عليهم، فهم في ضيافة أيام منى التي هي أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام تمام الضيافة. وغير أهل منى هم كذلك مثلهم في الضيافة والكرامة، ولذلك حرم عليهم صيامها؛ لئلا يُعرضوا عن ضيافة الله جل في علاه. وحتى لا تفوت الفرصة على أحد وسع سبحانه زمنها ووقتها فجعلها أربعة أيام، كلها سواء في الفضل.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر