5 دقائق

(ليلى والذئب)

عبدالله الشويخ

القصة كما رواها الذئب:

«خرجتُ للغابة فطرقت باب أحد الأكواخ لأفاجأ بالفتاة السمجة ذات الرداء الأحمر تصرخ في وجهي: لا تأكلني لا تأكلني.. جريتُ وذهبتُ إلى جوار النهر لأفاجأ بذات الفتاة وهي تصرخ مرة أخرى: لا تأكلني لا تأكلني.. هربتُ إلى منطقة كثيفة الشجر واختبأتُ خلف شجرة لأجدها مرة أخرى تكرر أسطوانتها المملة: لا تأكلني لا تأكلني.. هنا لم أحتمل وصرخت فيها: ألا يمكن للمرء أن يعثر على مكان في هذه الغابة لقضاء حاجته؟».

❊❊❊

قبل أيام احتفلت قناة الجزيرة القطرية بمرور 14 عاماً على انطلاقتها، التي كانت، سواء أحببنا هذه القناة أم لا، حجراً ألقي في بركة الإعلام العربي في ذلك الحين، وكان له أثر كبير في تغيير طبيعة الطرح الإعلامي العربي الموجّه، وقد احتفلت القناة في الوقت نفسه «بتدشين» طاقم مذيعاتها الجديد نكاية في الخمس المستقيلات!

من قال إن أي مذيعة جميلة ستكون فارغة المحتوى؟!

في ذلك اليوم عرض برنامجان حواريان مهمان، الأول في العاصمة واشنطن التي كانت تستعد لانتخابات التجديد النصفي، والثاني بين وكيل وزارة «الثقافة» في دولة عربية ورئيس كتلة برلمانية معارضة.

في البرنامج الأول الذي دار حول انتخابات التجديد النصفي في أميركا التي ستؤثر في العالم بأسره، بقي الضيفان يستمع أحدهما إلى الآخر دون لحظة مقاطعة أو تسفيه للرأي أو حتى النظر إلى عين الخصم باستخفاف أو تهكم، كان التوجه بالكامل إلى المستمع لإيصال أكبر كم من الحقائق والمعلومات إليه، وترك الخيار له ليقرر مما سمع إلى أي الرأيين يميل.. وكانت «النغزات» من أحدهما للآخر بأسلوب حضاري للغاية ومهذب وبين السطور دون تجريح مباشر.

وفي الحوار الآخر الذي لن تؤثر نتيجته في بغلة على شط الفرات، استهلكت الشتائم بين الطرفين أكثر من ثلاثة أرباع الحلقة، هذا يقول: اخرس يا بعثي، يا صدامي، يا إرهابي «ويبدو أنها أصبحت (باكيج) لا تأتي إلا معاً»، ويرد الآخر اخرس أنت يا عميل، يا صهيوني، يا محتل.

لم نفهم من الضيفين شيئاً سوى أن أطفال العائلة لدينا أضافوا إلى حصيلتهم اللغوية في السباب مصطلحات جديدة أثارت نوعاً من البهجة لدى استخدامها في ما بينهم، على الرغم من أن جدتي كادت تصاب بسكتة حين وصفها أحدهم بالإرهابي! في ما عدا ذلك فقد عانى مقدم البرنامج وهو يتوسل إلى كلا الطرفين الهدوء قبل أن يضطر إلى إنهاء فاصل الزعيق الممل، وإنهاء الحلقة معه.

قبل أن نطالب بإنشاء مؤسسات إعلامية أو ثقافية أو تنويرية عربية علينا أن نعلم أنفسنا والقادمين من بعدنا ثقافة الحوار، والاستماع إلى الرأي الآخر الخطأ الذي يحتمل أن يكون صواباً، ورأينا الذي يحتمل أن يكون خطأ، وإلا فستكون جهودنا أشبه بجهود ذلك المقدم.

ومن يعلم، فلربما كان الذئب على حق!

shwaikh@eim.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر