أبواب

كريستينا.. شهيدة المروحة

ميره القاسم

«آغا» كلمة أعجمية معروفة في لغات عدة، عند الأكراد تطلق على الشيخ أو الهرم، وتطلق عند الأتراك على الرئيس أو السيد، أما عند الفرس فتطلق على كبير العائلة، كما تطلق الكلمة على أنوع آخر من الناس وهم فئة الخدم فاقدي الرجولة ممن تُجرى لهم في صغرهم عملية تعطيل، أو يكونون فاقدي الرجولة من الأساس لعيب خلقي، ويستخدم هؤلاء في البيوت وفي أجنحة النساء، للاستفادة من قوتهم البدنية. ولعل كثيراً من المسلمين قد شاهدوا عند زيارتهم الحرم المكي أو النبوي مجموعة من العاملين لهم لبس وشكل مميز إذ يطلق عليهم لقب «الآغوات». وتشير المعلومات المنشورة عنهم إلى أن عملية تعيينهم تتم ببالغ الصعوبة، إذ يتوقف أمر تعيينهم لخدمة ضيوف بيت الله من النساء على فحص الطب الشرعي من ناحية كفاءتهم الجنسية من عدمها، فإذا كان الآغا لا يحمل من مظهر الرجل سوى الشكل الخارجي فقط يحق له العمل آغا، ومن تظهر عليه منهم علامات الرجولة مثل اللحية والشارب، فإن نصيبه الإبعاد.

ويبدو أن بعض مكاتب استقدام العاملات في المنازل لدينا تأثروا بالفكرة أو أنهم لم يطبقوا الكشف الطبي اللازم على الخادمة بالشكل المطلوب، فقد ظهر لدينا بالمصادفة عدد من الخادمات بمواصفات ذكورية عملوا في المنازل الإماراتية من دون أن يعرف كفلاؤهم هذه المعلومة، التي لم تذكر الأخبار التي نشرت عنهم هل كانت حقيقية أو شكلية مشابهة لحال الآغوات في الحرم.

وليست القصة المنشورة في «الإمارات اليوم» بعيدة عنّا، وهي لفتاة فلبينية تُدعى(كريستينا) انتحرت أخيراً بسبب خلاف عاطفي مع رجل باكستاني رفض الزواج بها، وحين سألته الشرطة عن السبب قال: لم أستطع الزواج بها لأنها رجل! والغريب أن الطب الشرعي أكد كلام الباكستاني. والفلبيني «العاشق» شنق نفسه بالمروحة بكامل ملابسه النسائية، قبل أن تثبت فحوص الطب الشرعي أنه امرأة في الشكل فقط، وأنه في الحقيقة رجل يتمتع بكل مواصفات وأعضاء الذكورة، ولكن بيانات الهوية الخاصة به توضح أيضاً أنه امرأة ودخل البلاد وخضع للفحص الطبي على هذا الأساس!!

الغريب في القصة هو رأي مدير شرطة عجمان الذي قال: الحالة تكشف خللاً في منح التأشيرات من دون التأكد من هوية ونوع الشخص الذي يدخل إلى البلاد، متوقعاً وجود حالات مماثلة، داعياً الأسر إلى التأكد جيداً من نوع الشخص الذي تستقدمه للعمل في المنازل - يا سلام - خصوصاً الخادمات وضرورة التأكد أنهن إناث بهوية جنسية واضحة تماماً.. وسؤالي: كيف؟! كيف تتأكد الأسر من نوع الشخص المستقدم (رجل أم أنثى)؟ وهل هناك آلية رسمية تسمح للأسر بتفتيش أجساد الخدم لتحديد النوع، أم أن الأمر من الأساس يتعلق بالمكتب وبالجهات الرسمية في الدولة، سواء كانت أجهزة أمنية أو صحية؟ المهم لدينا كأسر ألا نكتشف بعد رحيل الخادمة أو انتحارها أنها رجل بملابس ومواصفات نسائية. لا أعلم بالضبط الآلية المتبعة في فحص «الآغوات» طبياً، لكن هذه التفاصيل جعلتني أتمنى من الجهات الرسمية أن تطلب نظام فحص «الآغوات» الطبي وتعممه على جميع الخادمات، فـ«الآغوات» لم تثبت عليهم حالة اعتداء واحدة وهم يتعاملون بجدية والتزام، وعلى الأقل يعرف الجميع أنهم رجال ولم يتشبهوا بالنساء مثل كريستينا «شهيدة المروحة» التي عاشت بيننا من دون أن نعرف أنها رجل إلى أن قررت وبسبب الحب القاتل أن تزيح لنا الستار عن حقيقتها المذهلة التي كشفت بدورها خللاً لابد من إصلاحه.

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

wahag2002@hotmail.com

تويتر