كل يوم

تصريحات «غبية»!!

سامي الريامي

في أميركا اللاتينية مات 150 مليوناً تحت نير الاستعباد في قرن واحد، كان الغزاة الإسبان والبرتغاليون يقرأون على السكان الهنود في كل قرية يدخلونها مرسوماً من بابا روما يدعوهم إلى اعتناق الديانة المسيحية، وإلا سيُعتبرون وثنيين، وسيكون الاستعباد عقابهم، وفي النهاية استُعبد كل السكان الهنود، ليس لأنهم لم يرغبوا في تجنب عقوبة الاستعباد، ولكن لأن مرسوم بابا روما الذي كان يهدف، كما ادعى الغزاة، إلى «تثقيف الناس والارتقاء بهم»، كان مكتوباً باللاتينية، اللغة التي لم يكن أحد منهم يفهم مفرداتها!

واليوم الغزاة يأتون إلينا تحت راية «التثقيف» أيضاً، لكنهم لا يأتون على صهوة الجياد مرتدين الدروع اللامعة، ولا على ظهور الدبابات، بل يأتون من دون ضجة، عبر الأجهزة وشبكات الإنترنت، ويحتلون عالمنا ويساوموننا على أبسط حقوقنا وكرامتنا وسيادتنا، وإذا اختلفنا معهم يسارعون بنعتنا بالمتخلفين، وأنهم، ومن دون خجل، يريدون أن يثقفونا.

لقد سمعنا عن أسلوب متعجرف اتبعته شركة «البلاك بيري» التي لم يكلف كبير مديريها نفسه عناء الرد على مطالب الإمارات، والانصياع لسيادتها الوطنية، وعدم ممارسة أي نشاط اقتصادي على أراضيها، من دون الخضوع للقانون، والقانون في النهاية هو الذي يحكم كل شؤون حياتنا، ونحتكم إليه لنحمي أنفسنا ومصالحنا.

نعم هناك موقف متعجرف فيه الكثير من الاستعلاء، خصوصاً بعد تحول شركة كندية، كل ميزتها أنها تقدم لنا جهازاً نستخدمه مقابل اشتراك شهري، إلى جهة ترى أن بوسعها إهانتنا وإهانة دولتنا، وكل الدول الأخرى «الأجنبية» وأن تدعي أنها ستعمل على «تثقيف» هذه الشعوب!

يقول مايكل لازاريديس، رئيس شركة «رِم» في تصريحاته لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية: «إن جزءاً من التحدي هو تثقيف (الأمم الأجنبية) كيف يعمل الإنترنت وأجهزة (البلاك بيري)»!

الرجل المسؤول عن الاستراتيجية في الشركة، قال في تصريحه الذي يدل على «ضحالة تفكيره»، إن «كل شيء على الإنترنت مُشَفر، وهذه ليست مسألة تخص (البلاك بيري) وحده، إذا لم يعرفوا كيفية التعامل مع الإنترنت، فعليهم إغلاقه».

هذه المعلومات الخاطئة، وهذه النصائح التي فيها من التعالي والاستخفاف ما فيها، أضاف إليها هذا الرجل إهانات بالجملة، فقال مشيراً إلى الأمم «الأجنبية»، وكأن كندا هي محور الكون والوجود، أو أن شركته هي أمة بمفردها: «سنواصل العمل معهم للتحقق من أنهم يفهمون واقع الإنترنت»، مضيفاً

أن «كثيرين من هؤلاء ليس لديهم شهادة دكتوراه، وليس لديهم شهادة جامعية في علوم الكمبيوتر».

الرجل الكندي الأبيض يريد أن يثقف أبناء الإمارات، ودول الخليج، والهند، وإندونيسيا، وربما الصين ودول أخرى من بينها الدول الأوروبية التي أعلنت مفوضيتها، أول من أمس، تفضيلها هاتف الـ«آي فون» على «البلاك بيري». يريد أن يثقف قرابة أربعة مليارات نسمة لأنهم لا يحملون شهادة دكتوراه ولا شهادة جامعية في علوم الكمبيوتر، تؤهلهم للتعامل مع جهاز لا تتجاوز قيمته ألفي درهم!

ترى أي صورة تريد شركة «رم» أن تعكسها عن نفسها، وهي تترك هذا الرجل يدلي بتعليقاته «الغبية»، التي تصلح لتُدرج في مرسوم من بابا روما، يُلقى على سكان أميركا اللاتينية قبل استعبادهم وقتلهم باسم العلم والرقي!

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى الضغط على اسمه

تويتر