واشنطن تعتبر «هواوي» خطراً يوفر بديلاً عن «الستار الحديدي الرقمي الأميركي»

الصين والولايات المتحدة.. حرب تقنية باردة تضع دول العالم أمام خيارين

السوق الصينية تمثل ثالث أكبر سوق لشركات التقنية الأميركية عالمياً. غيتي

«ليست مجرد اتهامات بالممارسات التجارية غير العادلة والتجسس الاقتصادي والروابط العسكرية، بل علامة ساخنة على اندلاع حرب تقنية باردة بين عملاقين كبيرين، ستقود العالم إلى حالة من الاستقطاب التقني التنموي، الذي يفرض اختيار أحدهما وترك الآخر، وهو أمر معقد من الناحية الواقعية، لذلك لن يكون سهلاً على الجميع».

هكذا تناول تحليل مطول، نشره قسم التقنية في وكالة «بلومبرغ» المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، وتناول الوجه الآخر لأزمة شركة «هواوي» الصينية مع الحكومة الأميركية، التي تتوالى فصولها طوال الوقت، محدثة جدلاً واسعاً، وتداعيات مستمرة في اتجاهات مختلفة، إذ حاول معدو التحليل وضع الأزمة في «سياقها» الأوسع والأشمل، وتوضيح أنها ليست أخطاء مديرين تنفيذيين في شركة اتصالات فتية مبدعة، بل لها وجه آخر.

الوجه المكشوف

الوجه المكشوف من الأزمة يقول إنها اندلعت قبل أشهر قليلة باتهامات من الحكومة الأميركية للشركة الصينية بالإقدام على ممارسات تجارية غير عادلة، وإنتاج معدات تتضمن مكونات تدخل تحت بند التجسس وتهديد الأمن القومي الأميركي، فضلاً عن تنفيذ أعمال ذات ارتباطات عسكرية قوية وواضحة.

وكان أول مشاهد الصراع توقيف واحدة من أكبر المديرين التنفيذيين في الشركة، ثم صدور قرار أو أمر تنفيذي من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بإدراج الشركة على القائمة السلبية السوداء للشركات التي تمثل تهديداً للولايات المتحدة، وهو أمر يفرض على جميع الشركات الأميركية التي لها تعاملات مع «هواوي» الحصول على إذن مسبق قبل إجراء أي معاملة معها.

للقصة وجه آخر

يرى محللو «بلومبرغ» أن هذا ليس لب القضية، أو «مربط الفرس»، بحسب تعبيرهم، فجوهر القضية أن تقنية المعلومات الأميركية وشركاتها المختلفة هي المتصدرة للمشهد عالمياً دون منازع، وتعتبر الحكومة الأميركية أنه لابد من وجود «ستار حديدي رقمي أميركي» يجعل هذا الوضع قائماً دون تغيير كبير، لكن شركات التقنية الصينية، وفي مقدمتها «هواوي»، باتت تمثل ستاراً حديدياً رقمياً بديلاً، يمكن للعديد من الدول، لاسيما النامية، الاعتماد عليه في الولوج إلى العالم الرقمي الجديد بمختلف جوانبه وآلياته، بعيداً عن الستار الحديدي الرقمي الأميركي برمته.

تأثيرات سلبية

طبقاً لإحصاءات وزارة التجارة الأميركية، فإن السوق الصينية تمثل ثالث أكبر سوق لشركات التقنية الأميركية عالمياً، إذ تبيع فيها الشركات الأميركية ما يزيد على 10% من إجمالي إنتاجها من السلع والخدمات، وبالتالي فإن القرارات المتخذة ضد «هواوي» يمكن أن تؤثر في مبيعات الشركات الأميركية داخل السوق الصينية، في حال اتخاذ الحكومة الصينية إجراءات مضادة، وهذا من شأنه أن يجعل شركات التقنية الأميركية تفقد الكثير من فرص العمل، وتواجه اضطرابات، وتتكبد تكاليف جديدة كبيرة.

وفي هذا السياق، قال كبير المحللين في مؤسسة «كريتيف ستراتيجيز» للاستشارات، تيم باجارين، إن رد فعل بكين يمكن أن يكون «كارثياً» للشركات الأميركية، فقد يصل الأمر إلى أن تحظر الصين دخول المنتجات الأميركية إلى السوق الصينية باستخدام الذريعة نفسها التي استخدمتها الحكومة الأميركية مع «هواوي»، وفي مثل هذه الحالة ستتأثر العديد من الشركات الأميركية.

ومن المرجح أن تكون شركة «أبل» الأميركية الأكثر تضرراً على الإطلاق، لأنها ستفقد 20% من سوق هواتف «آي فون»، كما أن الحظر سيرفع أسعار هواتفها بنسب قد تصل إلى 25% أو ما يعادل 160 دولاراً، وهو آخر لا ترغب «أبل» في أن يحدث لهواتفها التي تشهد تباطؤاً كبيراً في مبيعاتها، أما «غوغل» فذكرت التقديرات أنها ستخسر سنوياً بين 375 و425 مليون دولار بسبب قرارها بإيقاف وتقييد الدعم الذي تحصل عليه «هواوي» لنظام تشغيل «أندرويد».

إلا أن الحكومة الأميركية لم تضع اعتباراً لمثل هذه التأثيرات السلبية، ووضعتها على الرف، لأنها بحسب محللي «بلومبرغ»، تنظر إلى الأمر من زاوية «الأستار الحديدية الرقمية» المتصارعة على الساحة الدولية حالياً ومستقبلاً.

الفلبين وفيتنام

المتابع لوقائع هذه الحرب التقنية الباردة سيجد أن هناك ساحتين للمواجهة حالياً بين الولايات المتحدة والصين، هما الفلبين وفيتنام، اللتان تبدو كل منهما معاكسة للأخرى، من حيث قرار الانتماء للصين أو الولايات المتحدة.

ففي حالة الفلبين تقول بيانات هيئة الإحصاءات الفلبينية إن الولايات المتحدة لاتزال أكبر سوق تصدير للفلبين، لكن أهمية الصين آخذة في الارتفاع.

وعلى الرغم من أن الفلبين لها علاقات كبيرة ووثيقة تاريخياً مع الولايات المتحدة، فإن الرئيس الفلبيني رودريجو دوترتي تناوب «الحب والكراهية» مع الصين، وتحت رئاسته، وقّع البلدان أكثر من 12 اتفاقية، بما في ذلك واحده لشركة «تشاينا تيليكوم» لبناء شبكة للهاتف المحمول في الفلبين.

ولخّص وزير الشؤون الخارجية الفلبيني، يودورو وكسين، المزاج تجاه الصين بقوله: «عرض الصين للشراكة الاستراتيجية أكثر جاذبية من العرض الحالي للولايات المتحدة، بما يتضمنه من حالة الارتباك الاستراتيجي، وهكذا فإن الاختيار في الفلبين يميل إلى الصين تقنياً».

وعلى النقيض من ذلك، فإن فيتنام حليف صيني طبيعي وتاريخي، لكن الفيتناميين لديهم ميل دافئ نسبياً تجاه الولايات المتحدة، وبعد أربعة عقود من انتهاء الحرب الوحشية، فإن الدولتين تقومان ببناء علاقات عسكرية، كما تسعى فيتنام إلى كبح جماح القوة الصينية، وهذا يجعل هانوي أكثر عرضة للتهرب من العروض الصينية في المجال التقني، إذا كان ذلك يعني فقدان مصلحة واشنطن. لكن الخيار لن يكون سهلاً، بالنظر إلى عروض الصين الضخمة، وهكذا تبدو الأمور في فيتنام أكثر ميلاً لتقنية الولايات المتحدة. من الواضح هنا أنه مثلما كان العالم منقسماً على أسس عسكرية قبل 70 عاماً، فإن الحرب الباردة التي تمثل «هواوي» علامتها الساخنة، ستقسم العالم بين قطبين رقميين، وسيكون الساسة مجبرين على تقرير ما إذا كانوا سيختارون الصين أو الولايات المتحدة.

«غوغل» تحذر البيت الأبيض

حذرت شركة «غوغل» الأميركية لخدمات الإنترنت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من أنها تخاطر بتهديد الأمن القومي الأميركي إذا ما مضت قدماً في تنفيذ قيود التصدير على شركة «هواوي» الصينية للإلكترونيات. ونقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية عن ثلاثة أشخاص مطلعين على سير المحادثات بين الطرفين القول إن «غوغل» طالبت بإعفائها من أي قيود في هذا الصدد.

وذكر مسؤولون كبار في الشركة أن «غوغل» لن تستطيع في ظل هذه القيود تحديث أنظمة تشغيل «أندرويد»، التي تعمل على هواتف «هواوي»، ما قد يدفع الشركة الصينية إلى تطوير نظام تشغيل خاص بها.

وتقول «غوغل» إن مثل هذه الأنظمة يمكن أن تكون أكثر عرضة لمخاطر القرصنة الإلكترونية. واشنطن ــ د.ب.أ

تويتر