أستاذ فيزياء في «ستانفورد» يصف الأمر بـ «المخيف» وينصح بالبحث عن أشكال بديلة من التشفير

خبيران: الحاسبات الكمية ستهدم أكثر نظم أمن المعلومات الحالية قوة

مؤتمر «تطبيقات الحاسبات الكمية في مجال الأعمال» استضاف خبراء في مجال الحاسبات الكمية. من المصدر

إذا كانت هناك جهة ما تباهي بأن لديها أكثر نظم أمن المعلومات تقدماً وتعقيداً وقوة، وبأن شيفرات وأكواد هذه النظم تحتاج إلى سنوات لفكها وكسرها، فعليها أن تتوقف عن ذلك، لأن هذه الثقة ستفقد قيمتها في غضون خمس سنوات على الأكثر، بعد ظهور وانتشار الحاسبات الكمية الخارقة القدرات، التي ستهدم كل أنظمة أمن المعلومات الحالية، وتجعل كل أكوادها وشيفراتها أشياء شفافة مكشوفة ومعروفة للجميع.

هذا ما أكدته أعمال مؤتمر «تطبيقات الحاسبات الكمية في مجال الأعمال»، الذي عقد في 19 مايو الجاري، في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، واستضاف كبار الخبراء في مجال الحاسبات الكمية وتطبيقاتها، منهم مديرة قطاع البحوث والتطوير في شركة «آي بي إم»، أرفيند كريشنا، وأستاذ الفيزياء في جامعة «ستانفورد»، كام مولر، إضافة إلي بوب ستولت، أحد كبار المديرين في بنك «جي بي مورغان».

قدرة خارقة

وقد شرحت مديرة قطاع البحوث والتطوير في شركة «آي بي إم»، أرفيند كريشنا، هذه القضية أمام الحضور قائلة إن الحاسبات الكمية ستكون قادرة على الكسر والفك الفوري لتشفير وتكويد البيانات والمعلومات، وتخطي حواجز أمن المعلومات المختلفة لحظياً، لما لها من قوة هائلة على العمل بصورة متوازية، وعلى تفتيت كل الوظائف والمهام التي تقابلها إلى أجزاء فائقة الصغر، والتعامل معها وحلها بسرعة خارقة، ولذلك فإن العديد من الحلول والشيفرات، التي يمكن أن تستغرق الآن مليارات السنوات من المعالجة لفكها وكسرها، سيتم حله وكشفه بصورة شبه فورية مستقبلاً باستخدام الحاسبات الكمية.

من جانبه، قال أستاذ الفيزياء في جامعة «ستانفورد»، كام مولر، إن الناس قد يشعرون بالأمان الآن لأنهم فعلوا كل ما يفترض بهم القيام به لتأمين بياناتهم، لكن الحوسبة الكمية ستكسرها، واصفاً هذا الوضع بأنه «مخيف»، ويجب الاستعداد له من الآن، ويجب على أي شخص يريد التأكد من حماية بياناته لمدة تزيد على 10 سنوات، أن ينتقل إلى أشكال بديلة من التشفير الآن.

آليتا عمل

«بت» و«كيوبت»

تتمثل المشكلة الحالية بالحاسبات الكمية في أنها لا تزال تعمل بعدد قليل جداً من «كيوبت»، يعد على أصابع اليد الواحدة، في حين تعمل الحاسبات الحالية بعشرات الملايين من الـ«بت»، والسبب في ذلك هو وجود نوع من الضوضاء أو الشوشرة الناجمة عن الرنين أو التردد الخاص بكل «كيوبت» على حدة، يسبب أخطاء في الحسابات التي يقوم بها الجهاز، وتزيد هذه الأخطاء مع زيادة عدد الـ«كيوبت»، وبالتالي، فإن فالتحدي الأكبر أمام الحاسبات الكمية هو إضافة عدد من الـ«كيوبت»، مع القدرة على إيقاف الأخطاء عند الحدود التي لا تؤثر في صحة العمليات التي يقوم بها.


• التطورات في الفيزياء أدت إلى تحقيق الكثير من الاختراقات في مجال الحوسبة الكمية.

يذكر أن الحاسبات الكمية قائمة كفكرة نظرية وبحثية منذ أربعينات القرن الـ20، والاختلاف بينها وبين الحاسبات الحالية أنه يتم في الحاسبات الحالية تخزين المعلومات في صورة وحدات تعرف بـ«بت»، وتعبّر عن «صفر» أو «1».

أما في الحاسبات الكمية فيتم تخزين المعلومات في صورة وحدات تعرف بـ«كيوبت» التي لا تعبر عن «صفر» أو (1) فقط، بل عن كليهما معاً، مضافة إليهما حالة أو حالات تراكبية كمية من كليهما معاً، وهذا يعني أنه عند القيام بعملية معينة، فإن الحاسبات الحالية تضطر إلى البحث خلال كل الحلول الممكنة واحداً تلو الآخر، أما الحاسبات الكمية فتعمل كما لو كانت تفكر في كل الإجابات الممكنة في التوقيت نفسه، ما يجعلها أسرع مئات وربما آلاف المرات.

عملية تطوير

وخلال العامين الأخيرين تسارعت وتيرة العمل في تطوير الحاسبات الكمية، ففي يونيو 2016 طرحت شركة «آي بي إم» الأميركية، أكبر الشركات العاملة في هذا المجال عالمياً، أول حاسب كمي للتشغيل والتجربة من قبل الجمهور العام، وهو حاسب بقدرة «5 كيوبت»، وجعلت من الممكن العمل عليه وتجربته وتشغيله من خلال منصتها للحوسبة السحابية عبر الإنترنت، وبعدها بأسبوع فقط أكدت شركة «غوغل» الأميركية أن مشروعها للحاسبات الكمية أثمر عن جهاز قدرة «9 كيوبت»، لكنها لم تطرحه للتشغيل والتجربة العامة.

وفي 17 مايو 2017 كشفت «آي بي إم» أن 45 ألف جامعة وشركة نفذت ما يزيد على 300 ألف تجربة على الحاسب الكمي قدرة «5 كيوبت»، منذ إطلاقه في يونيو 2016، وهذه التجارب لم تصمم لحل مشكلات إنتاجية، بل لتعلم كيفية العمل على الحاسبات الكمية، ثم أعلنت في اليوم نفسه عن تشغيل ثاني حاسباتها الكمية تجريبياً عبر منصتها للحوسبة السحابية، وهو حاسب قوة «16 كيوبت» مخصص للتجربة من قبل المؤسسات وأصحاب الأعمال.

وفي الشهر نفسه، مايو 2017، كشفت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، أنها تراجع وتقيم الحاسب الكمي «دي ويف» لمعرفة قدراته ومجالات استخدامه، كما أصدرت شركة «ديلويت إل إل بي» الاستشارية تقريراً حول أوضاع الحاسبات الكمية عالمياً، أكدت فيه أن الحاسبات قد تجاوزت مرحلة «البحوث»، وباتت على وشك الدخول في «القيمة التجارية» المرتبطة بتشغيلها في عمليات الإنتاج بالواقع الفعلي.

تطبيقات خلال خمس سنوات

وفقاً لما قالته كريشنا خلال المؤتمر، فإن التطورات في المواد الجديدة وفي الفيزياء ذات درجات الحرارة المنخفضة، أدت إلى تحقيق الكثير من الاختراقات في مجال الحوسبة الكمية في السنوات الأخيرة، وجعلت أنظمة الحاسبات الكمية التجارية الضخمة قابلة للتطبيق في غضون خمس سنوات، لكنها أوضحت أن تطبيقات الحاسب الحالية لن تستفيد جميعها من الحاسبات الكمية، بل ستكون الاستفادة من نصيب التطبيقات والنظم التي تتعامل مع مشكلات ومهام يمكن تقسيمها إلى عمليات متوازية. وبحسب قولها، فإننا مازلنا لا نعرف، على وجه التحديد، التطبيقات التي سيكون من الأفضل تشغيلها على الحاسبات الكمية، فضلاً عن أن الأمر يحتاج إلى بناء الكثير من الخوارزميات (النماذج الرياضية) الجديدة.

بدوره، أشار مولر إلى أن الوضع يتطلب أيضاً تحقيق مزيد من الإنجازات، مثل الأنواع الجديدة من المواد ذات الخصائص المحددة عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق، والمزيد من التطورات الكبير في تقنيات البرمجيات، لتصبح قادرة على الاستفادة من قدرات الحوسبة الكمية.

تويتر