المرصد

«فيس بوك» قوة تحدٍّ

في حركة وصفت بالسعي لاستعراض القوة، حجب موقع «فيس بوك»، أواخر الشهر الماضي، صفحات المواقع الإخبارية المحلية والعالمية في أستراليا، باستهداف إحداث «تعطيش إعلامي» في البلاد يظهر مدى أهمية الموقع.

جاءت خطوة «فيس بوك» في إطار منازلة كبرى بينه وبين السلطات الأسترالية، بعد طرح البرلمان مشروع قانون يهدف الى فرض رسوم مالية على منصات التواصل عند أخذ أخبار من وسائل الاعلام التقليدية، وهو مشروع قانون يحاول فيه القديم الضغط على الجديد، أو الاستفادة منه مالياً، لكن «فيس بوك» الذي لم يعجبه الأمر قرر التصعيد والحجب بمنطق «سنرى من سيحتاج الآخر».

لـ«فيس بوك» ولمواقع التواصل الاجتماعي الأخرى الحق في امتلاك هذا الشعور بالجبروت، بحسب ما لمّحت معظم تعليقات المتابعين، فقد اختفى من تاريخ العالم تقريباً صورة الشخص العائد من عمله وتحت إبطه حزمة صحف ورقية، وحل محلها كرمز يؤشر لزمننا الشخص المشدود كالمسحور لشاشة هاتفه في البيت، والشارع، والحافلة.

في كتابه «السبراني اضغط هنا»، يقول الكاتب الصحافي أكرم القصاص إن «الإعلام الشبكي يمنح الناس الشعور بالمساواة، والاقرار بأن لدى كل منهم رأياً، ومنحهم الحق في التعبير عنه حتى وهم صامتون (يقصد عبر اللايكات)، لكن هذا مجرد جزء من القصة، لكن الجزء الأهم هو أنك كمشاهد، أو مستخدم، أو مجتمع «أصبحت جزءاً من هذا العالم الشبكي، تفقد حتماً جزءاً من حريتك، وتخضع لقواعد التأثير الكاسحة، والخوارزميات، واللجان الالكترونية، والافراد، والجماعات، ولا تعرف ما إذا كانت هذه الأخبار ضمن التدفق العادي، أم أنها جزء من سياق لأفراد، أو جهات، أو شركات، أو شائعات، أو تدريبات».

عند هذه النقطة ينقلب السحر على الساحر، وتبدأ المنصات في الإحساس بمدى سطوتها، والشعور بأنها هي التي تستخدم الأفراد والمجتمعات، وتترجم هذا الإحساس في خطوات ملموسة للفرض والتحدي.

قبل معركة أستراليا الأخيرة، دخل «فيس بوك» في معركة مع الأمم المتحدة بسبب أزمة الروهينغا في ميانمار، والتي قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الانسان، مرزوقي داروسمان، إن «موقع فيس بوك لعب دوراً في نشر ثقافة الكراهية فيها»، وإن «مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً حاسماً في رفع مستوى الجفاء، والشقاق، والصراع»، كما قالت محققة الأمم المتحدة يانغي لي: «كل شيء تم في ميانمار عبر (فيس بوك)، قد تحول الى وحش كاسر»، لكن وبالرغم من كل هذه التصريحات، لم تفعل «فيس بوك» شيئاً يذكر سوى بعض الاجراءات الشكلية.

لهذه الأسباب، وبالرغم من كل المزايا التي أحدثها «فيس بوك»، إلا أن الحاجة ملحة للنظر لهذه الوسائل ولو لمرة واحدة بوصفها «قوة تحدٍّ»، ومواجهة هذا التحدي ليس بالأمر السهل.

تويتر